للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ وَالرَّجُلُ بَاقٍ عَلَى جَنَابَتِهِ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةٌ الرَّجُلُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَصُحِّحَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ نَجِسٌ بِالْجَنَابَةِ عِنْدَهُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ إذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَتَنَجَّسُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ حَتَّى لَوْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ حَلَّ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ اهـ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الصَّبَّ سُطِّرَ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ، وَلَوْ يُوجَدُ، فَكَانَ الرَّجُلُ جُنُبًا بِحَالِهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ، وَلَمْ يُوجَدْ رَفْعُ الْحَدَثِ، وَلَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، فَكَانَ بِحَالِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ إنَّ الصَّبَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ طَاهِرًا وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا خَرَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ لِفَقْدِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي صَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَخَذَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الِاخْتِلَافَ فِي سَبَبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَخْذَهُ مِنْهَا غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ.

وَقَالَ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ الصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ تُوجِبُ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ وَلَا مَعْنَى؛ لِهَذَا الْخِلَافِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَاءُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ طَلَبِ الدَّلْوِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى الِانْغِمَاسِ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَلَوْ احْتَاجُوا إلَى الْغُسْلِ عِنْدَ نَزْحِ مَاءِ الْبِئْرِ كُلَّ مَرَّةٍ لَحُرِجُوا حَرَجًا عَظِيمًا وَصَارَ كَالْمُحْدِثِ إذَا اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وُجِدَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْخَلَ غَيْرَ الْيَدِ فِيهِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. اهـ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْعُضْوِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ أَيْ لِلْقِيَاسِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ اهـ.

وَتَعْلِيلُهُمْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ دَاخِلَ الْبِئْرِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْجَنَابَةِ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ أَمَّا كَوْنُ الرَّجُلِ طَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ فَقَدْ عَلِمْته وَأَمَّا كَوْنُ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ فَقَدْ عَلِمْته أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ قَيَّدْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِالْجُنُبِ؛ لِأَنَّ الطَّاهِرَ إذَا انْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَعْضَائِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ انْغَمَسَ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا لِوُجُودِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ وَحُكْمُ الْحَدَثِ حُكْمُ الْجَنَابَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إذَا نَزَلَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ أَمَّا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ، وَلَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِمَا نَجَاسَةٌ، فَإِنَّهُمَا كَالطَّاهِرِ إذَا انْغَمَسَ لِلتَّبَرُّدِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ عِنْدَهُ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنْ يَنْجُسَ الْمَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَذَلِكَ بِتَمَامِ الِانْغِمَاسِ وَالْإِلْزَامُ بَقَاءُ الْجَنَابَةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَجِسٌ بِكُلٍّ مِنْ نَجَاسَةِ الْجَنَابَةِ وَنَجَاسَةِ الْمَاءِ لِمُلَاقَاةِ بَقِيَّةِ جَسَدِهِ الْمَاءَ الْمَحْكُومَ بِنَجَاسَتِهِ أَوَّلَ الْمُلَاقَاةِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَاكَ بِخِلَافِ انْغِمَاسِهِ لِاسْتِخْرَاجِ الدَّلْوِ تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى ذِكْرِ طَلَبِ الدَّلْوِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَا إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي الْعَارِفُ بِاَللَّهِ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ جحط الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَاَلَّذِي مَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ عَدَمُ وُجُودِ الصَّبِّ عِنْدَهُ فَلَوْ وُجِدَ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ وَنَجَاسَةُ الْمُسْتَعْمَلِ وَاشْتِرَاطُ الصَّبِّ قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَهُ أَمَّا طَهَارَةُ الْمُسْتَعْمَلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَهُ فَغَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِكُلٍّ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثَ وَالْقُرْبَةِ وَإِسْقَاطِ الْفَرْضِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَيَكُونُ الْمُفْتَى بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ طَهَارَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَقَطْ لِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَلَكِنْ فِيهِ تَلْفِيقٌ فِي التَّقْلِيدِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الصَّحْبِ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْكُلُّ مَذْهَبُهُ فَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْقُرْبَةَ، وَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ اهـ.

وَالتَّلْفِيقُ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَيْثُ أَخَذَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ وَبِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَهُوَ نَجِسٌ وَلَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ، وَالْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ

(قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ طَاهِرٌ طَهُورٌ عَلَى الصَّحِيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>