للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ هَذَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ وَصَارَ لِلثَّانِي فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا كَانَ وَلَدًا لِلثَّانِي اتِّفَاقًا وَإِذَا حَبَلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ فَهُوَ وَلَدٌ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَزَلَ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ قَطُّ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ وَأَرْضَعَتْ بِهِ وَلَدًا لَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَبًا لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنُهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّ لِابْنِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا كَانَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَوْلَادِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ إلَى أَنَّ لَبَنَ الزِّنَا لَيْسَ كَالْحَلَالِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّةً يَجُوزُ لِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ التَّزَوُّجُ بِهَا وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إلَّا مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا مِنْ مَنِيِّهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي وَهُوَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ لِلنَّصِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مَحَلَّ الْخِلَافِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ فُرُوعَ الْمَزْنِيِّ بِهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ عَلَى الزَّانِي وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُرْمَتَهَا عَلَى الزَّانِي: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا مِنْ النَّسَبِ عَلَيْهِ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ) قَدْ قَدَّمَ أَنَّ ذِكْرَ الزَّوْجِ لَيْسَ قَيْدًا فَلَا يُفِيدُ مَا ذُكِرَ فَالْأَوْلَى التَّنْبِيهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَيْ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَلَامَ الْكَمَالِ الْأَوْجَهِيَّةَ وَقَيَّدَ أُسْتَاذُنَا بِمَا قُلْنَاهُ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا يَأْتِي آخِرَ كَلَامِ الْكَمَالِ كَذَا فِي الشرنبلالية، وَقَدْ وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا نُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا) فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَنَصُّهُ: لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ اهـ.

وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ: الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ اهـ.

بَلْ كَلَامُ الْوَبَرِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الزَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى كَلَامِ الْخُلَاصَةِ الْآتِي وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فَعَدَمُ حُرْمَتِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى اهـ.

فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْوَبَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَظَهَرَ الْوَجْهُ لِإِحْدَاهُمَا لَا يُعْدَلُ عَنْهَا لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْجَهُ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَظُهُورِ الْوَجْهِ لِإِحْدَاهُمَا وَكَأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى اهـ.

يَعْنِي: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُ الْخُلَاصَةِ لَوْ أَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي يَقْتَضِي خِلَافَ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. . . إلَخْ) أَيْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْيِيدِ السَّابِقِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ وَمِنْ التَّعْلِيلِ لِلْحُرْمَةِ بِالْبَعْضِيَّةِ، وَفِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الزَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>