الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَذَكَرَ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِالِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَهُوَ الثَّدْيُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنْ لَوْ انْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يُحَرِّمُ) أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللَّبَنِ غَالِبًا بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مَطْبُوخًا أَوْ لَا لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ، وَاللَّبَنَ تَابِعٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّغَذِّي وَهُوَ مَنَاطُ التَّحْرِيمِ وَلِأَنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَعِدَةِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ وَقَالَا إنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا اتِّفَاقًا وَيَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ الْخُبْزُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً فَإِذَا حَسَاهُ حَسْوًا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَالْحَقُّ أَنَّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَى الْأُولَى لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ وَوَضْعُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَكْلِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ: حَسَا زَيْدٌ الْمَرَقَ شَرِبَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَخْلُوطًا لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ إذَا جُبِّنَ وَأُطْعِمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ وَلَفْظُهُ وَلَوْ جَعَلَ اللَّبَنَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ مَصْلًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَلِذَا لَا يَنْبُتُ اللَّحْمُ وَلَا يَنْشُرُ الْعَظْمُ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِمَا ذُكِرَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ كَذَا فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الدَّوَاءُ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ غَيَّرَ طَعْمَ اللَّبَنِ وَلَوْنَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَتْ رَضَاعًا اهـ.
وَمِثْلُ الدَّوَاءِ الدُّهْنُ أَوْ النَّبِيذُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ أُسْعِطَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الشَّاةِ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَانَ كَالْمَاءِ وَلَوْ اسْتَوَيَا وَجَبَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلِكًا وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعَلَّقَ بِهِمَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قِيلَ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى فَشَرِبَهُ وَلَبَنُ الْبَقَرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا مَغْلُوبٌ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ غَالِبًا حَنِثَ اتِّفَاقًا وَلَوْ اسْتَوَيَا ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا.
(قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ، وَالْمَيِّتَةِ يُحَرَّمُ) أَيْ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَمَّا لَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ الْبِكْرُ صَبِيًّا صَارَتْ أُمًّا لِلصَّبِيِّ وَتَثْبُتُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ الْبِكْرُ رَجُلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّبِيَّةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الرَّبَائِبِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا وَأَطْلَقَ فِي لَبَنِ الْمَيِّتَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِبَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَيَشْرَبَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ حَلَبَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حَلَّ لِزَوْجِ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا الْآنَ دَفْنُ الْمَيِّتَةِ وَتَيَمُّمُهَا لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرَّضِيعَةِ وَبِنْتِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ
وَفِي
ــ
[منحة الخالق]
فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَوَلَدِهَا إذْ الْمُرْضَعَةُ أُخْتٌ لِوَلَدِهَا رَضَاعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَا وَبِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى بِالثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ الْمُحَقِّقُ وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ خَلْطٌ فَاجْتَنِبْهُ اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ نَعَمْ يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute