للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْطِئًا لَا يَكْفُرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ لَهُ امْرَأَتَانِ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ فَقَالَ يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْمُجِيبَةُ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت زَيْنَبَ طَلُقَتْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَتِلْكَ بِالِاعْتِرَافِ اهـ.

مَحْمُولٌ عَلَى الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِمَا فِي الْحَاوِي مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فُلَانَةُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى عَنْهُمَا نُصَيْرٌ مِنْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ يَقَعُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ بِدَلِيلِ مَا قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْوِي لَا تَطْلُقُ، وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا مِنْ كِتَابِ رَجُلٍ قَالَ ثُمَّ يَقِفُ وَيَكْتُبُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَكُلَّمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِاللَّفْظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَتَبَتْ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ اهـ.

وَأَمَّا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ النِّسْبَةِ إلَى الْغَائِبَةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ وَذِكْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُقُوعِ قَضَاءً فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَضَاءً فِيمَا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا، وَفِي الْمُتَعَلِّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ ظَنَّ أَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِإِفْتَاءِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَكَلَّفَ الْحَاكِمُ كَتْبَهَا فِي الصَّكِّ فَكُتِبَتْ ثُمَّ اسْتَفْتَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى فَأَفْتَى بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ، وَالتَّطْلِيقَاتُ مَكْتُوبَةٌ فِي الصَّكِّ بِالظَّنِّ فَلَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ اهـ.

وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَدَّمْنَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُقُوعُهُ عَلَى الْمُجِيبَةِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَعَلَى زَيْنَبَ قَضَاءً فَقَطْ كَمَا هُوَ مُفَادُ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَا فِي الْحَاوِي فَلَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ وَمُخَاطَبَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ بِلَا قَصْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ) هَذَا خَاصٌّ بِالْمُخْطِئِ أَمَّا الْهَازِلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَبِعَ فِيهِ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ أَيْضًا فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ ثُمَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الصَّرِيحِ بِلَا نِيَّةِ جَرَيَانُهُ عَلَى لِسَانِهِ غَلَطًا فِي نَحْوِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاسْقِنِي أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ مَعَ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً كَقَصْدِ الطَّلَاقِ مِنْ وِثَاقٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً وَمُقْتَضَى النَّظَرِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ فِي الْكُلِّ أَيْ الْغَلَطِ وَمَا قَصَدَ صَرْفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِعْت وَاشْتَرَيْت إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْهَزْلِ مَعَ أَنَّهُمَا صَرِيحٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا فِي الْهَزْلِ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ لِخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٍ وَهُوَ حَدِيثُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يَنْفِي مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ، وَالْغَالِطُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي اهـ.

مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ مَا قَالُوا. . . إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَدِمَ الْفَسَادُ بِهِ فِي الدِّيَانَةِ دُونَ الْقَضَاءِ وَكَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ سَابِقًا عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ. . . إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا وَهْمٌ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَخَرَجَ مَا لَا يَقَعُ بِهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً كَمَنْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَمَا يَقَعُ بِهِ قَضَاءً فَقَطْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهِ دِيَانَةً كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ اهـ.

يَعْنِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ إنَّ الْوُقُوعَ فِي الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ خِطَابَهَا لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهَا نَعَمْ الْهَازِلُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ فَاسْتَحَقَّ التَّغْلِيظَ اهـ.

قُلْت وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَمْثَالِهِ مِمَّا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ لَا خِطَابَ فِيهَا أَصْلًا لَا بِأَصْلِ اللَّفْظِ وَلَا بِالطَّلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>