إنْ ذَكَرَ عُضْوًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَنَوَى اقْتِصَارَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُصَدَّقَ وَلَوْ ذَكَرَ الْيَدَ، وَالرِّجْلَ وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ الْبَدَنِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ جُزْءًا لَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ كَالسِّنِّ، وَالرِّيقِ لَا يَقَعُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ، وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْعَتَاقُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أُصْبُعَهُ لَا يَقَعُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْيَدَ وَمَا مَعَهَا لَوْ كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ الْجُمْلَةَ كَالْحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ يَقَعُ قَضَاءً بِلَا نِيَّةٍ كَالرَّقَبَةِ وَكِنَايَةٌ لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْيَدِ وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَا يَقَعُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى كَالرِّيقِ، وَالسِّنِّ، وَالشَّعْرِ، وَالظُّفُرِ، وَالْعَرَقِ، وَالْكَبِدِ، وَالْقَلْبِ وَقَيَّدَ بِالدُّبُرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتُك طَالِقٌ وَقَعَ كَفَرْجِك كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالِاسْتُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادِفًا لِلدُّبُرِ لَا يَلْزَمُ مُسَاوَاتُهُمَا فِي الْحُكْمِ.
لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِكَوْنِ اللَّفْظِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُضْعَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْجِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ هُنَا كَحُكْمِهِ فِي التَّعْبِيرِ وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَتَاقِ وَتَوَابِعِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَجَزَّأُ فَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ نِصْفَهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ ضُعِّفَ قَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ كَالطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) وَمُرَادُهُ أَنَّ جُزْءَ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاظِرٌ إلَى صَوْنِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَصَرُّفِهِ مَا أَمْكَنَ وَلِذَا اعْتَبَرَ الْعَفْوَ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ عَفْوًا عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ جُزْءٌ كَانَ كَذِكْرِ كُلِّهِ تَصْحِيحًا كَالْعَفْوِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ النِّصْفَ فِي الطَّلَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ وَلَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً إلَّا نِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةً وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالتَّكْمِيلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ قَالَ وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَشْمَلَ وَأَحْسَنَ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثًا ضَرُورَةً إلَّا إذَا نَوَى تَنْصِيفَ كُلٍّ مِنْ التَّطْلِيقَتَيْنِ فَتَكُونُ أَنْصَافُهَا أَرْبَعًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَقَعُ طَلِيقَتَانِ دِيَانَةً وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ احْتِمَالُ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَصَحَّحَهُ الْعَتَّابِيُّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ أَيْضًا وَعُرِفَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ فَوَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَكَذَا نِصْفُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ الْمُضَافَ أَعْنِي النِّصْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَكُلٌّ
ــ
[منحة الخالق]
فَعَدَمُ تَعَارُفِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَرَاحَتِهِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةً. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ كَالرُّوحِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] .