للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِي لَمْ يَقَعْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْأَمَالِي قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الزَّوْجَ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَيَكُونُ إخْرَاجًا لِلْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّفْوِيضَ قَدْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ بَاعَ بِنَفْسِهِ قَفِيزًا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ اهـ.

وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَلَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي طَلَاقٍ إنْ فَعَلَ كَذَا مَتَى شَاءَتْ ثُمَّ خَلَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ، وَإِنْ مَضَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوُجِدَ الشَّرْطُ ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُهُ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْعِدَّةِ اللَّاحِقِ، وَالسَّابِقِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَقَدْ نَظَمَهَا الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ الدَّبَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ:

وَكُلُّ طَلَاقٍ بَعْدَ آخَرَ وَاقِعٌ ... سِوَى بَائِنٌ مَعَ مِثْلِهِ لَمْ يُعَلَّقْ

وَتَعَقَّبَهُ وَالِدُ شَارِحِ الْمَنْظُومَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُعَلَّقْ مُطْلَقٌ يَشْمَلُ الْبَائِنَ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِيَ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي فَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَقُلْت بَيْتًا مُفْرَدًا مِنْ الرَّجَزِ

كُلًّا أَجِزْ لَا بَائِنًا مَعَ مِثْلِهِ ... إلَّا إذَا عَلَّقَهُ مِنْ قَبْلِهِ

اهـ.

قَالَ شَارِحُ الْمَنْظُومَةِ عَبْدُ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْتُ: وَقَدْ فَاتَ الشَّيْخَيْنِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ مِنْ خَارِجٍ لِأَنَّ تَمَامَ مَعْنَى الضَّابِطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ فَقُلْت مُنَبِّهًا عَلَى ذَلِكَ بَيْتًا مُفْرَدًا مِنْ الرَّجَزِ

بِعِدَّةِ كُلِّ طَلَاقٍ لَحِقَا ... لَا بَائِنٍ لِمِثْلِهِ مَا عَلَقَا

ثُمَّ قَوْلِي لَحِقَا مُشْعِرٌ بِكَوْنِ اللَّاحِقِ هُوَ الْمُعَلَّقُ وَوَصَفْنَا الْبَائِنَ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْبَائِنِ مُشْعِرٌ بِإِخْرَاجِ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى لِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْته اهـ.

وَقَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِكَوْنِ السَّابِقِ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَتَاقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ كَذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " يُعَلِّقُ " يَتَعَيَّنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْبَائِنِ لَا إلَى الْمِثْلِ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ مَا بَعْدَ مَعَ مَتْبُوعٌ لِمَا قَبْلَهَا نَحْوُ: جَاءَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَائِنَ هُوَ التَّابِعُ لِلْمِثْلِ أَيْ اللَّاحِقُ لَهُ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا، وَإِنْ سَبَقَ تَعْلِيقُهُ وَقَعَ اهـ.

قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ بَائِنٍ هُوَ التَّابِعُ لِلْمِثْلِ لَا يُعَيِّنُ رُجُوعًا لَمْ يُعَلَّقْ إلَيْهِ بَلْ الِاحْتِمَالُ بَاقٍ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَمَا مَرَّ أَنْ يُعَلِّقَهُ قَبْلَ الْمُنَجَّزِ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهِ مَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى بَيْتِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا فَبَيْتُ، وَالِدِهِ مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ كُلًّا مِنْ الْإِيهَامِ وَيَرُدُّ عَلَى الْكُلِّ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ كَذَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَائِنٍ فَقُلْت مُفْرَدًا مِنْ الزَّجْرِ مُبَيِّنًا لَهَا عَنْ الْكُلِّيَّةِ قَدْ خَرَجَ إلَّا بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَقَدْ خَلَعَ وَأَلْحَقَ الصَّرِيحَ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ اهـ.

وَالْوَاوُ فِي: وَقَدْ خَلَعَ لِلْحَالِ وَأَلْحَقَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَعَ أَيْ خَلَعَ وَأَلْحَقَ الصَّرِيحَ بَعْدَ الْخُلْعِ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ لَفْظِ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةَ الْبَائِنِ وَلِذَا لَوْ خَاطَبَهَا وَقَعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ سَابِقًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْبَيْتِ الْمَسْأَلَةَ الْأُخْرَى وَلِبَعْضِهِمْ فِي نَظْمِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا صَرِيحُ طَلَاقِ الْمَرْءِ يَلْحَقُ مِثْلُهُ وَيَلْحَقُ أَيْضًا بَائِنًا كَانَ قَبْلَهُ كَذَا عَكْسُهُ لَا بَائِنَ بَعْدَ بَائِنٍ سِوَى بَائِنٍ قَدْ كَانَ عَلَّقَ فِعْلَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَتْبَعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ هُنَا بِقَوْلِهِ فِي بَابِ طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذِكْرِهِ هُنَا مُطْلَقًا مِنْ الْخَفَاءِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ حَرْبِيَّةٌ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بِأَمَانٍ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَ يَقَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَقَعُ اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة م، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِ إذَا خَرَجَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ.

قُلْتُ وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَفِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا اهـ.

لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ فَإِنَّ هَذِهِ الْفَرْقَ فَسْخٌ أَمَّا لَوْ كَانَ الْآبِي هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَلَاقٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>