للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتَتْ بِبَعْضِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهَا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا وَإِنَّمَا وَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ دُونَ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ، وَقَدْ ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ نَظَرًا لِمَا أَوْقَعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَفِي أُخْرَى بَائِنَةً وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّهُ غَلَطٌ وَابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهُ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اهـ.

قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ اخْتَارِي لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ اخْتَارِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَرْتُ تَطْلِيقَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي صُورَةٍ لِلْعَطْفِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ تَصْلُحُ لِلْفَرْدِ دُونَ الثَّلَاثِ وَوُقُوعُ الْوَاحِدَةِ مُمْتَنِعٌ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَوَقَعَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً فِي غَيْرِ صُورَةِ الْعَطْفِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ إنْ قَالَتْ عَنَيْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ قَالَتْ عَنَيْت الثَّالِثَةَ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ بِخُصُوصِ الْمَالِ بِالثَّالِثَةِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَهُوَ شَرْحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَعَنْهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ فَعَلْت لَا يَقَعُ لِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهَا اخْتَرْتُ وَبِهِ لَا يَقَعُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ فَعَلْت يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ: بِعْت أَمْرَك مِنْك بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقَّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ، وَالْمُقَيَّدُ لِلْبَيْنُونَةِ إذَا قُرِنَ بِالصَّرِيحِ صَارَ رَجْعِيًّا كَعَكْسِهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَصِيرُ بَائِنًا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي تَطْلِيقَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَوْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك تَطْلُقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَمْ تَصِلْ فَطَلَّقَتْ قَالَ: يَكُونُ بَائِنًا وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ تُطَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت حَيْثُ تَكُونُ رَجْعِيَّةً كَمَا فِي أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَمْرُك بِيَدِك تُطَلِّقِي نَفْسَك غَدًا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا لِلْحَالِ وَقَوْلُهُ: تُطَلِّقِي إلَى آخِرِهِ مَشُورَةٌ اهـ.

وَفِي أَمْرِك بِيَدِك لِكَيْ تُطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ لِتُطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ حَتَّى تُطَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اثْنَتَيْنِ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي إنْ شِئْت فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت، وَقَدْ شَاءَتْهُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ مَشِيئَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ طَلَاقَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشِيئَةِ، وَالْآخَرُ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ، وَالْآخَرُ كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَةُ حَالَ ذِكْرِ الصَّرِيحِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ خَيِّرْ امْرَأَتِي وَلَمْ يُخَيِّرْهَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لَهَا لِأَنَّهُ آمِرٌ بِأَمْرٍ فَمَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَأْمُورُ، وَلَوْ قَالَ: أَخْبِرْهَا بِالْخِيَارِ فَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهَا سَمِعَتْ الْخَبَرَ فَاخْتَارَتْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ. إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ قَالَ الشَّارِحُونَ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ، وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالزِّيَادَاتِ وَعَامَّةِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا سِوَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ مَا فِي الْهِدَايَةِ غَلَطًا مِنْ الْكِتَابِ، وَقَدْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَالصَّوَابُ كَمَا فِي الشَّرْحِ إطْلَاقُ كَوْنِهِ غَلَطًا نَعَمْ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَالٍ عَنْ التَّعْلِيلِ فَكَوْنُهُ غَلَطًا مِنْ الْكِتَابِ صَحِيحٌ وَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ إنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَفِي أُخْرَى بَائِنَةً وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَلَطٌ أَوْ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي غَلَطٌ لِأَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ لَا يَعْنِي أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْأُولَى رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَفِي هَذَا قَالَ الشَّهِيدُ إنَّهَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَكَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ اخْتَارِي. . . إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلِفٍ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَمْرُ الَّذِي جَعَلَهُ فِي يَدِهَا أَيْ لَمْ تَكُنْ مَذْكُورَةً فِيهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ كَمَا يُتَوَهَّمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>