أُخْرَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذْ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ الثَّلَاثُ فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت التَّفْوِيضَ فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ مَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فِي الْجَوَابِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الثَّلَاثَ اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَمْرِي بِيَدِي لَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ مَلَّكْت نَفْسِي أَمْرِي كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ أَمْرِي كَانَ جَائِزًا اهـ فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا لَفْظَ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي بَائِنٌ أَوْ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَهُوَ جَوَابٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُفِيدُ الطَّلَاقَ كَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي، وَلَوْ قَالَتْ أَنْت مِنِّي طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجُلِ اهـ.
لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُوهَا قَبِلْتهَا طَلُقَتْ وَكَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ قَبِلْت نَفْسِي طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهُوَ كَقَوْلِهَا أَنَا بَائِنٌ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ حَرْفٌ فِي كَذَلِكَ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَمْرُك بِيَدِك كَانَ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ فِي يَدِك فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ.
وَالْيَدُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك فِي كَفَّيْك أَوْ يَمِينِك أَوْ شِمَالِك أَوْ فَمِك أَوْ لِسَانِك كَانَ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهِمَا مِنْ فَصْلِ نِكَاحِ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا كُلَّمَا تُرِيدُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِ {دِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أُرِيدُ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ، وَلَوْ بَدَأَ الْمَوْلَى فَهُوَ كَبُدَاءَةِ الْمَرْأَةِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك فِي عَيْنَيْك وَأَمْثَالُهُ يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ وَأَمْرِي بِيَدِك كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَدَعْوَاهَا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَا يُقْبَلُ أَمَّا لَوْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَهْرَ، وَالطَّلَاقَ يُسْمَعُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ فِي الْبَيْعِ، وَالطَّلَاقِ أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك أَوْ بِعْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت يَنْفَرِدُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ: مَلَكْت أَمْرِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَلَّكْت نَفْسِي أَمْرِي بِزِيَادَةِ لَفْظِ نَفْسِي وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. . . إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى عَكْسِهِ وَهُوَ وَقَوْلُهُ: وَمَا لَا فَلَا وَيَرُدُّ عَلَى طَرْدِهِ نَحْوُ: أَنْت مِنِّي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَوْ أَجَابَتْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهَا زَوْجِي زَيْدٌ مِنِّي طَالِقٌ فَقَابِلُهُ يَكُونُ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَا أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ وَبِذَلِكَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ زَوْجُك زَيْدٌ مِنْك طَالِقٌ وَهَكَذَا يُعْتَبَرُ فِي نَظَائِرِهِ فَفِي قَوْلِهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوُهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوْجُك زَيْدٌ عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَنْتَ كِنَايَةٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهَا نَفْسِي عِبَارَةٌ عَنْ زَيْنَبَ مَثَلًا، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْت زَيْنَبَ يَقَعُ وَكَذَا قَوْلُهَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ يَقَعُ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَى مَا كَنَّتْ عَنْهُ بِقَوْلِهَا أَنَا يَقَعُ بِخِلَافِ أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا كَنَّتْ بِهِ عَنْهُ لَا يَقَعُ كَمَا قُلْنَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّعْبِيرُ بِمَا عَبَّرَتْ بِهِ بَلْ إسْنَادُ الطَّلَاقِ إلَى مَا أَسْنَدَتْهُ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ فِي قَوْلِهَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ. . إلَخْ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ وَنَصُّهَا " قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ نَحْوُهَا فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ إذَا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا بِهِ فَإِذَا أَوْقَعَتْ مِثْلَهُ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ: أَنْت حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ أَيْضًا وَقَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَقَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا صُدِّقَ وَلَا تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا بِأَنْ قَالَتْ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي لَا تَطْلُقُ أَيْضًا اهـ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلرَّدِّ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ حَرَامٌ بَائِنٌ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالَ الْمُذَاكَرَةِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَنْتِ حَرَامٌ وَقَعَ بِلَا نِيَّةٍ فَلَوْ قَالَهُ وَقَعَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْحَقِي بِأَهْلِك فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ سُؤَالِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِذَا قَالَتْهُ لَا يَقَعُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ.
(قَوْلُهُ: يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ دَلَالَةَ حَالٍ وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ دِيَانَةً أَوْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَيْهَا قَضَاءً، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ