للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ كُلَّمَا أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْت وَكِيلِي فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ مَا خَلَا الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِخْطَارُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا رُجُوعَ عَنْ الْيَمِينِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِحَضْرَتِهِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالتَّوْكِيلِ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.

وَحَاصِلُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَإِنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ وَمِنْهَا التَّوْكِيلُ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ جَائِزٌ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا خَالَعَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَخِلَافٌ إلَى شَرٍّ، وَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولٍ فَإِلَى خَيْرٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الصَّفَّارُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِيهِمَا إلَى شَرٍّ اهـ.

وَلَعَلَّ الشَّرَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ ارْتِكَابُ الْحُرْمَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ فَأَخْذُ الْمَالِ خَيْرٌ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرُّ فِيهِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّنْجِيزِ، وَقَدْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: وَكَّلَهُ أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ فَخَلَعَهَا عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً) لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ، وَالثِّنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ فَطَلَّقَتْ أَقَلَّ وَقَعَ مَا أَوْقَعَتْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأُولَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بِكُلِّ الْأَلْفِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ إيجَابِهِ وَقَبُولِهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِي الْوَكَالَةِ الْمُخَالَفَةُ إلَى خَيْرٍ لَا تَضُرُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: لَا فِي عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا بِالْوَاحِدَةِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ ضِدٍّ وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِتَطْلِيقِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَدَدِ لَفْظًا، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ كَلَامٌ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ: تُرِيدِينَ النَّجَاةَ مِنِّي فَأَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَجَوْت لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقَعُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ.

وَلَا يُقَالُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا نَجَوْت لِمَ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُ الزَّوْجِ نَجَوْت يَحْتَمِلُ الِاسْتِهْزَاءَ فَلَا يُجْعَلُ إجَازَةً بِالشَّكِّ اهـ.

وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَلْ طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَيْضًا إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فَإِنَّا عِنْدَ التَّفْرِيقِ قَدْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الثَّالِثَةِ فَلَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى الثَّانِيَةِ تَقَعُ الثِّنْتَانِ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الثِّنْتَيْنِ لَمَا جَازَ التَّفْوِيضُ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>