للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَوْلُهُمْ فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُ تَطْلُقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجَوُّزًا بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحِينَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْحِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَشِيئَتَهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ آخِرَ الْفَصْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ وَلَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا مَعَ مَتَى لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ مَعَهَا أَيْضًا رَدَّ الْقَوْلَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّهُ إذَا زِيدَ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ لِلتَّكْرَارِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يُفِيدُ غَيْرَ التَّأْكِيدِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ لَا يُغَيِّرُ وَيَقُولُ قَوْلُهُمْ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ كَمَا يَحْتَمِلُهُ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَنْقُلُ الْمَعْنَى مِنْ احْتِمَالِ الْعُمُومِ إلَى مَعْنَى الْحَصْرِ فَإِذَا قِيلَ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ فَالْمَعْنَى لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ مِنْ الزَّمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى وَمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى مَا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ وَقَعَتْ شَرْطًا كَانَتْ لِلْحَالِ فِي النَّفْيِ وَلِلْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ فِي الْإِثْبَاتِ اهـ.

وَفِيهِ " إذَا " لَهَا مَعَانٍ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ، وَفِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ: إذَا جِئْت أَكْرَمْتُك.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ نَحْوُ قُمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُرَادِفَةً لِلْفَاءِ فَيُجَازَى بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُبَاشِرَ شَرْطَ الْوُقُوعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ، وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَشَاءُ ثِنْتَيْنِ أَيْضًا، وَلَوْ شَاءَتْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَتْ قَدْ شِئْت أَمْسِ تَطْلِيقَةً وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِمَشِيئَةٍ كَانَتْ مِنْهَا أَمْسِ فَلَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَمْسِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهَا لَوْ شَاءَتْ فِي الْحَالِ يَصِحُّ مِنْهَا فَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَالْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ غَيْرُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَمْسِ وَكُلُّ مَشِيئَةٍ شَرْطُ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ إنَّمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ شَيْءٍ آخَرَ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ " كُلّ " إنَّمَا أَفَادَتْ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: " وَكُلُّ " كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥] أَيْ كَثِيرًا وَتُفِيدُ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهِ نَحْوُ: كُلَّمَا أَتَاك زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) أَيْ لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ شِئْت طَلَاقِي بَعْدَمَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَبِاسْتِغْرَاقِهِ يَنْتَهِي التَّفْوِيضُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>