للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا فَهُوَ تَنْجِيزٌ، وَخَرَجَ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْت طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا ظَهَرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذْتِيهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْت طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَا تَطْلُقُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ مَرِضْت، وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَعَلَى حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَلَوْ قَالَ لِلصَّحِيحَةِ إنْ صَحَحْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلَقَتْ السَّاعَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَبْصَرْتِ أَوْ سَمِعْتِ، وَهِيَ بَصِيرَةٌ أَوْ سَمِيعَةٌ لِأَنَّ الصِّحَّةَ وَالسَّمْعَ أَمْرٌ يَمْتَدُّ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهُمَا مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ حِينَ سَكَتَ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ مَا كَانَ مُحَقَّقًا تَنْجِيزٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ وُجُودُ رَابِطٍ حَيْثُ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا، وَذَكَرَ لِإِعْلَامِ الْمُخَاطَبَةِ أَوْ لِتَأْكِيدِ مَا خَاطَبَهَا بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْمُنَادِي فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ، وَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ لِتَأْكِيدِ مَا خَاطَبَهَا بِهِ كَقَوْلِهِ يَا زَيْنَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَإِنَّهُ قَاذِفٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا عَمْرَةُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَيَا زَيْنَبُ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ طَلَقَتْ، وَيُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فِي زَيْنَبَ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت طَلَاقَهَا أَيْضًا طَلَقَتْ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ نَوَيْت طَلَاقَهَا مَعَ عَمْرَةَ طَلَقَتَا جَمِيعًا، وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ فَقَالَ يَا عَمْرَةُ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَيَا زَيْنَبُ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ طَلَقَتَا جَمِيعًا.

وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقَ زَيْنَبَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ أَوْ الْإِيجَابُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَذْفًا لِأَنَّهُ لِلِاسْتِحْضَارِ عَنْهُ عُرْفًا، وَلِإِثْبَاتِ الصِّفَةِ وَضْعًا فَلَاءَمَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ آخَرَ فَعَلَّقَ خَلَلًا وَنَجَّزَ طَرَفًا، عَمَلًا بِهِمَا كَيَا طَالِقُ، وَقَدْ يُعَلِّقُ الْخَبَرَ لِلنَّفْيِ كَالْإِقْرَارِ اهـ.

وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الظَّاهِرُ قَصْدَ الْمُجَازَاةِ فَلَوْ سَبَّتْهُ بِنَحْوِ: قَرْطَبَانُ وَسِفْلَةٌ، فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنَجَّزَ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا إيذَاءَهَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ يُدَيَّنُ، وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ شَرْطِهِ الِاتِّصَالُ فَلَوْ أَلْحَقَ شَرْطًا بَعْدَ سُكُوتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ فَأْفَأَةٌ أَوْ ثِقَلٌ فِي لِسَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الْكَلَامِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ، وَذَكَرَ الشَّرْطَ وَالِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ تَرَدُّدٍ وَتَكَلُّفٍ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَتَعْلِيقُهُ اهـ.

وَرُكْنُهُ أَدَاةُ شَرْطٍ وَفِعْلُهُ وَجَزَاءٌ صَالِحٌ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَنْجِيزِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ، وَلَمْ يَزِدْ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا أَرْسَلَ الْكَلَامَ إرْسَالًا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْعَتَّابِيِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوْلَا أَوْ قَالَ وَإِلَّا أَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ إلَخْ) وَجْهُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلَّقَ بِجُمْلَتِهِ أَحْكَامًا لَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ جَعَلَ الْكُلَّ شَيْئًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) قَدَّمْنَا حَاصِلَ شَرْحِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَوَّلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَعِبَارَتُهُ وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ انْتَهَتْ قُلْت، وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ فَتَاوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ، وَالْمُخْتَارُ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَهُوَ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ دُونَ الْمُجَازَاةِ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ سِفْلَةً، وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى السِّفْلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ سِفْلَةً إنَّمَا السِّفْلَةُ الْكَافِرُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ: وَمَا قِيلَ لَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ، وَيُقَامِرُ، وَقَالَ خَلَفٌ أَنَّهُ مَنْ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ يَحْمِلُ مِنْ هُنَاكَ شَيْئًا، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ هُوَ السَّفِلَةُ مُطْلَقًا اهـ

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي تَقُولُهُ الْعَامَّةُ لِلَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ فَهُوَ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَصْلُهُ كَلْتَبَانُ مِنْ الْكَلَبِ، وَهُوَ الْقِيَادَةُ، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ هِيَ الْقَدِيمَةُ عَنْ الْعَرَبِ، وَغَيَّرَتْهَا الْعَامَّةُ الْأُولَى فَقَالَتْ لُطْبَانُ ثُمَّ جَاءَتْ عَامَّةٌ سُفْلَى فَغَيَّرَتْ عَلَى الْأُولَى، وَقَالَتْ قَرْطَبَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>