للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَلَّقَ فِي الثَّانِي بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا فَيَبْطُلُ الْإِيقَاعُ ضَرُورَةً.

وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّ وُقُوعَ ثِنْتَيْنِ تَعَلَّقَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ، وَبِمُضِيِّهِ بِلَا طَلَاقٍ وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ نَوَاهُ، وَعَلِمَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ نَوَاهُ، وَعَلِمَهُ لَا يَقَعُ، وَإِلَّا يَقَعُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ يُمْسِكُهَا بِمَعْرُوفٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ يُسِيءُ مُعَاشَرَتَهَا يَقَعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَوَّلِ حَرَامٌ، وَالْقَبَائِحُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الثَّانِي وَاجِبٌ، وَبِهِ تَتَعَلَّقُ مَشِيئَتُهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَضُرُّ فَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُبَاحِ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْأَثْلَاثِ ثَلَاثٌ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ وَضْعِيٌّ وَعُرْفِيٌّ فَالْعُرْفِيُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَالْوَضْعِيُّ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ بَيَانٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ. قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ فَالْمُقِرُّ بِهِ لَيْسَ إلَّا سَبْعَةٌ فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ أُرِيدَ مَا بَعْدَ إلَّا بِالصَّدْرِ فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ، وَكَلِمَةُ إلَّا قَرِينَةٌ عَلَيْهِ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ مَا بَعْدَ الْإِثْمِ أُخْرِجَ ثُمَّ حُكِمَ عَلَى الْبَاقِي، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أُرِيدَ عَشَرَةٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ، وَحَكَمَ عَلَى سَبْعَةٍ فَأَرَادَ الْعَشَرَةَ بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَمَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُعَارَضَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْعَشَرَةِ مَثَلًا ثُمَّ نَفَى الْحُكْمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَتَعَارَضَا صُورَةً ثُمَّ تَرَجَّحَ الثَّانِي فَيُحْكَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا سِوَاهُ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ النِّسْبَةِ إلَيْهِمَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّنَاقُضِ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَاقِلٌ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِالِاتِّصَالِ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلَهُ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِثْنَاءٌ.

وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِأَرْبَعَةٍ بِالسَّكْتَةِ اخْتِيَارًا، وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا وَبِالْمُسَاوَاةِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الطَّلَاقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا نِصْفَهَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ خَامِسًا فَقَالَ وَالْخَامِسُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِبْطَالِ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا فُلَانَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَلَا يَصِيرُ النِّدَاءُ فَاصِلًا لِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

وَأَشَارَ بِاسْتِثْنَاءِ الثِّنْتَيْنِ إلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ، وَفِي إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ عَدَمُ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بِمُسَاوٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ فَالْأَوَّلُ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَكَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي، وَكَمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمِنْ الْمُسَاوِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ آخِرِ الْعِتْقِ قَالَ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا يَقَعُ الْعِتْقُ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ اهـ.

وَفِي قِيَاسِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُسَاوِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْمُسَاوِي كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْوُجُودِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ إنْ عَمَّ وَضْعًا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صِيَغِيٌّ كَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ صَحَّ إذَا تَكَلَّمَ بِالْحُرُوفِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْمُوعًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا اهـ. فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَرْجَحِيَّةِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ اهـ.

لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ مَا ذَكَرَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ فَتَعَارَضَا صُورَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ نَفْيًا وَإِثْبَانًا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَرَجَّحَ الثَّانِي أَيْ النَّفْيُ، وَقَوْلُهُ فَيُحْكَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَشَرَةُ، وَقَوْلُهُ مَا سِوَاهُ أَيْ مَا سِوَى الْمُسْتَثْنَى الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ فَقَالَ: وَالْخَامِسُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَيْسَ مَا نَقَلَهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ بَلْ هِيَ هَكَذَا، وَالْخَامِسُ إبْطَالُ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>