للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُرَادُهُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَهْدِمُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيهَا بِقَوْلِ شُبَّانِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَأَخَذَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ الْأَكَابِرِ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَحَاصِلُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحَلِّلًا فِي الْغَلِيظَةِ فَفِي الْخَفِيفَةِ أَوْلَى أَوْ بِالْقِيَاسِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ زَوْجًا، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ بِأَنَّ التَّحْلِيلَ إنَّمَا جُعِلَ فِي حُرْمَتِهَا بِالثَّلَاثِ فَلَا حُرْمَةَ قَبْلَهَا فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) يَعْنِي لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي إخْبَارِهَا عَلَى مَا ذَكَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَبْسُوطًا فَقَالَ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَتَزَوَّجْت، وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ إخْبَارَهَا هَكَذَا مَبْسُوطًا لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي دَخَلَ بِي إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرَائِطِ الْحِلِّ لَمْ تُصَدَّقْ، وَإِلَّا تُصَدَّقُ، وَفِيمَا ذَكَرَتْهُ مَبْسُوطًا لَا تُصَدَّقُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا لِاخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّاسِ فِي حِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَفِي التَّفَارِيقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت أَوْ مَا دَخَلَ بِي صُدِّقَتْ إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِرَافٍ مِنْهَا بِصِحَّتِهِ فَكَانَتْ مُتَنَاقِضَةً فَيَنْبَغِي أَنَّ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا كُنْت مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا ذَلِكَ، وَكَذَّبَتْهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَلِذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ كُلُّهُ اهـ. مِنْ قَائِلِهِ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُوَافِقُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْبَاءِ لَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ مَا تَزَوَّجْت بِآخَرَ، وَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ تَزَوَّجْت بِآخَرَ، وَدَخَلَ بِك لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ. اهـ.

وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ الثَّانِي النِّكَاحُ وَقَعَ فَاسِدًا لِأَنِّي جَامَعْت أُمَّهَا إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ تَحِلُّ كَذَا أَجَابَ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَلَوْ قَالَتْ دَخَلَ بِي الثَّانِي، وَالثَّانِي مُنْكِرٌ فَالْمُعْتَبَرُ قَوْلُهَا، وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَلَمْ يَمُرَّ بِي لَوْ قَالَ الْمُحَلِّلُ بَعْدَ الدُّخُولِ كُنْت حَلَفْت بِطَلَاقِهَا إنْ تَزَوَّجْتهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قُلْت يُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهَا إنْ كَانَ صَادِقًا عِنْدَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا تَحِلُّ، وَعَنْ الْفَضْلِيِّ لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي فَإِنِّي تَزَوَّجْت غَيْرَك، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت صُدِّقَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي كَانَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. يُحْمَلُ قَوْلُهَا تَزَوَّجْت عَلَى الْعَقْدِ، وَقَوْلُهَا مَا تَزَوَّجْت عَلَى مَعْنَى مَا دَخَلَ بِي لَا عَلَى إنْكَارِ مَا اعْتَرَفَتْ بِهِ، وَلِذَا قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُنَاقَضَةً صَرِيحَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَأَشَارَ بِقَبُولِ قَوْلِهَا إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا أَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، وَكَذَّبَتْهُ فَالْمُعْتَبَرُ قَوْلُهَا، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَهَا ذَلِكَ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْفُرْقَةِ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا لَا فِي حَقِّهَا حَتَّى يَجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ كَمَالُهُ إنْ دَخَلَ بِهَا.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا إلَى أَنَّ عَدَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَافِي الْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِمَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَتْ ثِقَةً عِنْدَهُ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا، وَبِقَبُولِ قَوْلِ الْمُطَلَّقَةِ إلَى أَنَّ مَنْكُوحَةَ رَجُلٍ قَالَتْ لِآخَرَ طَلَّقَنِي زَوْجِي، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي جَازَ تَصْدِيقُهَا إذَا وَقَعَ فِي الظَّنِّ صِدْقُهَا عَدْلَةٌ كَانَتْ أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَتْ نِكَاحِي الْأَوَّلُ فَاسِدٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَدْلَةٌ كَذَا فِي

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>