للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْأَرْضِ، وَالسُّكُونُ لُغَةٌ فِيهِ. اهـ.

وَأَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةَ سَبَبًا لِلْعِقَابِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَخْذَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] وَلَا يُعَارِضُهُ الْآيَةُ الْأُخْرَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] لِأَنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ فَقَطْ، وَالْأُخْرَى فِيمَا إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ فَقَطْ نُشُوزٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَا كَانَتْ حُرْمَةُ الْأَخْذِ ثَابِتَةً بِالْعُمُومَاتِ الْقَطْعِيَّةِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَفِي إمْسَاكِهَا لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ إضْرَارًا، وَتَضْيِيقًا لِيَقْتَطِعَ مَالَهَا فِي مُقَابَلَةِ خَلَاصِهَا مِنْ الشِّدَّةِ الَّتِي هِيَ مَعَهُ فِيهَا ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: ٢٣١] فَهَذَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ مَالِهَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ جَازَ فِي الْحُكْمِ أَيْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ التَّمْلِيكِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ فَقَالَ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ} [البقرة: ٢٢٩] قَالَ فَنَسَخَتْ هَذِهِ تِلْكَ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي النِّسَاءِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ مُطْلَقًا إذَا رَضِيَتْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْإِبْرَاءُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ وَإِضْرَارٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ لَهُ الْأَخْذُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْكَارِهَةُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ نُشُوزٌ لَهَا أَيْضًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَالْإِبَاحَةُ ثَابِتَةٌ بِعِبَارَةِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَانِبِهَا فَقَطْ فَبِدَلَالَتِهَا بِالْأُولَى، وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَعْطَاهَا، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْأُولَى كَمَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُهُ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا لِأَنَّ النَّصَّ نَفَى الْجُنَاحَ مُطْلَقًا فَتَقْيِيدُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَوْجَهُ وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ لِأَحَادِيثَ ذَكَرَهَا.

(قَوْلُهُ وَمَا صَلَحَ مَهْرًا صَلَحَ بَدَلَ الْخُلْعِ) لِأَنَّ مَا صَلَحَ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَإِنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَمُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فَمَنَعَ الْأَبُ مِنْ خُلْعِ صَغِيرَتِهِ عَلَى مَالِهَا، وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ وَلَدِهِ بِمَالِهِ، وَنَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ، وَجَازَ تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فَصَحَّ الْخُلْعُ عَلَى ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَالْمَهْرِ، وَكَذَا عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضِهَا أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهَا وَخِدْمَتِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ خَلْوَةٌ بِهَا أَوْ خِدْمَةُ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّ هَذِهِ تَجُوزُ مَهْرًا، وَبَطَلَ الْبَدَلُ فِيهِ لَوْ كَانَ ثَوْبًا أَوْ دَارًا كَالْمَهْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ لِأَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا أَوْ غَنَمِهَا صَحَّ، وَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَلَا يَجُوزُ مَهْرًا بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَكَذَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ كُلِّيًّا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَرْدِ الْكُلِّيِّ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَمِنْ عَكْسِ الْكُلِّيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا أَوْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ لَا عَلَى الطَّرْدِ الْكُلِّيِّ، وَلَا عَلَى عَكْسِهِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ جِنْسُهُ أَوْ عَلَى دَارٍ فَلَهُ الْمَهْرُ، وَفِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهَا الْوَسَطُ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى مَا تَكْتَسِبُهُ الْعَامَ أَوْ عَلَى مَا تَرِثُهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً، وَتَمْهَرَهَا عَنْهُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَتَرُدُّ الْمَهْرَ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِحُكْمِهَا صَحَّ فَإِنْ حَكَمَتْ، وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ رَجَعَ بِالْمَهْرِ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَلْفٍ إلَى الْحَصَادِ ثَبَتَ الْأَجَلُ، وَلَوْ قَالَتْ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ مَوْتِهِ وَجَبَ الْمَالُ حَالًّا، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

هُنَاكَ.

(قَوْلُهُ وَفِي إمْسَاكِهَا لَا لِرَغْبَةٍ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا قُلْت لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمَهُ أَنَّ آيَةَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] فِيمَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ، وَآيَةَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: ٢٢٩] فِيمَا إذَا كَانَ مِنْهَا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تُنْسَخَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى (قَوْلُهُ، وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ) قَدْ عَلِمْت عَدَمَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ سَاقَ النُّصُوصَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ حَقَّقَ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ كَوْنُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْجَهَ نَعَمْ يَكُونُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَالْمَنْعُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى وَطَرِيقُ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>