صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ فَلِفَقْدِ أَهْلِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ، أَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمَحْدُودَةِ الْعَفِيفَةِ فَلِأَنَّ قَذْفَهُ مَعَ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ إنَّمَا يُوجِبُ اللِّعَانَ، فَإِذَا امْتَنَعَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لَهُ امْتَنَعَ الْحَدُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَوْ قَالَ وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُدْخِلَ الْمَحْدُودَةَ فِي قَذْفٍ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي عِبَارَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَرِيحًا لِمَا إذَا لَمْ يَصْلُحَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا لِعَانَ، وَأَمَّا الْحَدُّ فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ فَلَا يَجِبُ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدٌ أَوْ هِيَ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْعَفِيفَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَحْدُودَةً مُوجِبٌ لِلْحَدِّ مُطْلَقًا قُيِّدَ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ آذَاهَا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهَا فَيَجِبُ حَسْمًا لِهَذَا الْبَابِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.
وَفِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلِّعَانِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ امْتِنَاعُ جَرَيَانِ اللِّعَانِ لِكَوْنِهَا مَحْدُودَةً؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَذْفِ مِنْ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْمَانِعِ فِي حَقِّهَا بَعْدَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِهِ فَأَمَّا بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهَا اهـ.
وَتَحْقِيقُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشَّيْءِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا إذَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُنْفَى بِهِ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لِلِّعَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ وَالْقَذْفُ فِي نَفْسِهِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ فَيُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ مِنْ جَانِبِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لَهُ فَإِذَا ظَهَرَ عَدَمُ أَهْلِيَّتِهَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ اللِّعَانُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْمَانِعُ اهـ.
ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللِّعَانَ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا يَعُودُ اللِّعَانُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَيَسْقُطُ بِزِنَاهَا وَوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَبِرِدَّتِهَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَلَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ وَبِمَوْتِ شَاهِدِ الْقَذْفِ وَغَيْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَمِيَا أَوْ فَسَقَا أَوْ ارْتَدَّا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ أَسْنَدَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ وَهُوَ مَعْهُودٌ وَهِيَ الْآنَ أَهْلٌ فَلَا لِعَانَ بِخِلَافِ وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا أَقَلُّ تَلَاعَنَا لِاقْتِصَارِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) أَيْ: صِفَةُ اللِّعَانِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ بِالزَّوْجَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ بَدَأَتْ ثُمَّ الزَّوْجُ أَعَادَتْ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي قَبْلَ إعَادَتِهَا صَحَّ، وَفِي الْغَايَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ الْوَجْهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ وَشَهَادَتُهَا الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ أَعْقَبَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصِّفَةِ الرُّكْنَ كَقَوْلِهِمْ بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَيْ: مَاهِيَّتِهَا فَيَكُونُ بَيَانًا لِلشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ النَّصُّ وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْمَشَايِخُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُهُمَا مُتَقَابِلَيْنِ وَيَقُولُ لَهُ الْتَعِنْ فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْغَضَبَ فِي جَانِبِهَا فِي الْخَامِسَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَكَانَ أَوْلَى) فِيهِ إنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَكِنَّهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مَطْوِيَّةٌ أَيْ: وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا وَلَمْ تَصْلُحْ اهـ. تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَفِي الْغَايَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ إلَخْ) فَسَّرَ النَّصَّ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ أَيْ: نَصَّ الشَّارِعِ فَعَمَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثُمَّ قَالَ وَبِهِ اسْتَغْنَى عَمَّا فِي الْبَحْرِ الظَّاهِرُ إنْ أَرَادَ إلَخْ