للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَزُولُ بِهَا مِلْكُ النِّكَاحِ وَتُوجِبُ حُرْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّزَوُّجِ مَا دَامَا عَلَى حَالِ اللِّعَانِ فَإِنْ أَكْذَبَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ جَازَ التَّنَاكُحُ وَالِاجْتِمَاعُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّالِثُ وَقَالَ الثَّانِي إنَّهَا تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَهُمَا أَنَّ عُوَيْمِرًا طَلَّقَ الْمُلَاعَنَةَ ثَلَاثًا فَصَارَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْعِنِّينِ فَكَانَتْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُتَفَاعِلِ الْمُتَشَاغِلُ بِالْفِعْلِ وَلَمَّا فَرَغَا مِنْهُ زَالَتْ الْحَقِيقَةُ فَانْصَرَفَ الْمُرَادُ إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بَاقِيًا وَبَعْدَ الْإِكْذَابِ لَمْ يَبْقَ حُكْمُهُ لِبُطْلَانِهِ فَلَمْ يَبْقَ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا.

وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: ٢٠] أَيْ: مَا دَامُوا فِي مِلَّتِهِمْ أَلَا تَرَى إذَا لَمْ يَفْعَلُوا أَفْلَحُوا كَذَا هَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُمْكِنْ الْحَقِيقَةُ وَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ كَانَ لَهُ مَجَازَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ إرَادَةِ مَنْ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ قَائِمٌ حُكْمًا، وَالثَّانِي: مَنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ فِي الْخَارِجِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْإِكْذَابِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ كَوْنِهِ قَدْ تَحَقَّقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَلَكِنْ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَرْجَحُ وَأَظُنُّ أَنَّ الثَّانِيَ أَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) يَعْنِي لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَيْضًا إذَا خَرَجَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا خَرِسَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ بِالزِّنَا الْوَطْءَ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا شَرْعِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لِزَوَالِ عِفَّتِهَا، وَلَوْ قَالَ: وَكَذَا إنْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا فَحُدَّ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَوْ أَسْقَطَ فَحُدَّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ زِنَاهَا حَلَّتْ لَهُ سَوَاءٌ حُدَّتْ بِأَنْ وَقَعَ اللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ زَنَتْ فَجُلِدَتْ أَوْ لَمْ تُحَدَّ لِزَوَالِ الْعِفَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ وَهُوَ إهْلَاكٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِحِلِّهَا بَعْدَهُ وَاسْتَغْنَى بِهَا عَنْ تَغْيِيرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا زَنَّتْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ زَوَالَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ مَثَلًا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عَنْهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَدَالَةِ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ ذَلِكَ اللِّعَانَ السَّابِقَ الْوَاقِعَ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِيَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) لِفَقْدِ الرُّكْنِ مِنْهُ وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَاتِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَحْلِفُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ وَلَا لِعَانَ إذَا كَانَا أَخْرَسَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَتْ خَرْسَاءَ وَلِاحْتِمَالِ تَصْدِيقِهَا لَوْ كَانَتْ نَاطِقَةً وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَثْبُتُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ لِلشُّبْهَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَقَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَا تَفْرِيقَ وَلَا حَدَّ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَنْفِي الْحَمْلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ، وَلَوْ تَيَقَّنَّا بِقِيَامِهِ وَقْتَهُ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَحَمْلُكِ لَيْسَ مِنِّي وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجْرِي اللِّعَانُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِهِ وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ وَأَمَّا الْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ فَيَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ، وَأَمَّا عِتْقُهُ فَكَذَلِكَ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَأَمَّا رَدُّ الْمَبِيعَةِ بِعَيْبِ الْحَمْلِ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ وَاحْتِمَالُ الرِّيحِ شُبْهَةٌ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَا النَّسَبُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ إذَا ادَّعَتْ حَمْلًا فَلِقَبُولِ قَوْلِهَا فِي أَمْرِ عِدَّتِهَا وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَهَا لَا يُرَادُ بِهِ كُلُّ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِحِلِّهَا بَعْدَهُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ وَجَبَ رَجْمُهَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِأَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَوْتِ بِالرَّجْمِ وَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِرْثُ وَنَحْوُهُ فَلْيُحَرَّرْ بِالنَّقْلِ اهـ.

١ -

كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لِأَبِي السُّعُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ مَعْنَاهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ أَيْ: بَعْدَ الْحَدِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدَّ لَوْ كَانَ الرَّجْمُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَوْتِهَا كَمَا أَفَادَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ إهْلَاكٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِحِلِّهَا بَعْدَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>