للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ بِطَرِيقِ انْتِقَالِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَرِثُ مِنْهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَنْتَقِلْ وَلَا تَرِثُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمُسْلِمَةِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَرِثُهُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ فَقَدْ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَلَمْ يَبْقَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي زَوْجَةِ الْفَارِّ وَالْجَوَابُ مَنْعُ حُكْمِ الْمُسْلِمَةِ بَلْ يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.

وَقِيلَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ فَيَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَى وَقْتِ الرِّدَّةِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ لِعَدَمِ التَّأَمُّلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي صُوَرٍ:

إحْدَاهَا: هَذِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَائِنٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ الِاعْتِدَادُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي إحْدَاهُمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ.

وَالثَّالِثَةُ: إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا اهـ.

وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا اعْتَدَّتَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَنْبَغِي أَنْ تَعْتَدَّ الْمَدْخُولَةُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَغَيْرُهَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا لَا تَحِيضُ فَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَحِيضُ وَالْأُخْرَى لَا فَعَلَى الَّتِي تَحِيضُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الْوَفَاةِ هَذَا مَا فَهِمْتُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ رَابِعَةٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُخَيِّرُهُ وَهُمَا أَبْطَلَا نِكَاحَ الْكُلِّ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ الْآخِرُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ صَارَتْ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَتَغَيَّرُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الرَّجْعِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَزَوَالِهِ فِي الْبَائِنِ، وَالْمَوْتِ قَيْدٌ بِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ انْتَقَلَ مُدَّةُ إيلَائِهَا إلَى مُدَّةِ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً لِلْحَالِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِمَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهَا جَمِيعُ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ أَيْ: عَدَدِهَا الْبَسِيطَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْآيِسَةِ

ــ

[منحة الخالق]

خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ رَجْعِيًّا وَزَوْجُهَا مَرِيضٌ فَانْقَضَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهُوَ حَيٌّ لَا تَرِثُهُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ حَيْضِهَا وَأَنَّهَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ حَيٌّ وَلَمْ تَمْضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَرِثُ مِنْهُ وَأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَحِضْ فِيهَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَأَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَتَزَوَّجَتْ لَمْ يَصِحَّ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَبَطَلَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ الْمُخَالِفَةُ وَأَنَّهَا لَمْ تَصْدُرْ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَلَا أَصْحَابِهِ وَاَلَّذِي صَدَرَتْ عَنْهُ ابْتِدَاءً أَرَادَ غَيْرَ ظَاهِرِهَا وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ لِتَرِثَ بِمَوْتِهِ فِيهَا وَلَا يُفِيدُ مَا أَرَادَهُ مِنْ الِانْتِقَالِ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ أَرَدْت بِهَذَا إيضَاحَ بُطْلَانِهَا لِتُجْتَنَبَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ فِي أَجْلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي رِسَالَتِهِ وَحَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي تَسْمِيَةِ الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَارًّا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي مَوْضِعِهِ وَرَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ حِينَئِذٍ الِانْتِقَالُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ ظَاهِرٌ فَدَعْوَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تِلْكَ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُهُ مَمْنُوعَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَوْجُهِ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ حَيًّا وَعَلَى مَا قُلْنَا مِنْ التَّسَامُحِ لَا يَرِدُ مِنْهُ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْآيِسَةِ مِنْ جُمْلَةِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ فِي التَّصْوِيرِ فَلَوْ اسْتَمَرَّتْ طَاهِرَةً بَعْدَمَا حَاضَتْ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>