للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَعَ نِكَاحُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَدْلَةٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ وَلَدْت لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت سِقْطًا وَقَعَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ قُبِلَ قَوْلُهَا وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهَا اهـ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَأَنَّ تَوَقُّفَ الْوِلَادَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ وَعِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى إنَّمَا وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي فَظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَهُوَ الْعِدَّةُ، فَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ نَابَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ كَالْغَاصِبِ يَشْتَرِي الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةَ لَمْ تَجِبْ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهَا وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ صُرِّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] اهـ.

وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي أَوَّلًا وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثًا وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَلْزَمَهُ أَرْبَعَةَ مُهُورٍ وَنِصْفٍ وَأَبَانَهَا بِثَلَاثٍ وَحَكَمَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ وَمَهْرَيْنِ وَنِصْفٍ أَوْ بَائِنًا أَلْزَمَهُ بِتِلْكَ الْمُهُورِ وَهُمَا بِخَمْسَةٍ وَنِصْفٍ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَهْرَانِ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ حُكْمًا وَثَلَاثُ مُهُورٍ بِالدُّخُولِ ثَلَاثًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُجْمَعِ مِنْ التَّعْلِيقِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثَانِيهَا لَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْفَاسِدِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ وَلَا عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ وَيَجِبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ إنَّمَا وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي فَظَهَرَ حُكْمُهُ) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِهَا إنَّمَا وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَبِالثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ ظَهَرَ حُكْمُهُ.

(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ: زَوْجَتَهُ الَّتِي هِيَ أُمُّ وَلَدِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ غَيْرَ أَنَّ هُنَا تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَذْهَبَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ.

(قَوْلُهُ أَلْزَمَهُ أَرْبَعَةَ مُهُورٍ) أَيْ: أَلْزَمَ مُحَمَّدٌ الزَّوْجَ، وَقَوْلُهُ وَأَبَانَهَا أَيْ: قَالَ مُحَمَّدٌ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا نَكَحَهَا الزَّوْجُ فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِدُخُولٍ فِي الثَّانِي عِنْدَهُ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ طَلُقَتْ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَهُ مَهْرٌ آخَرُ وَبِالتَّزَوُّجِ الثَّانِي طَلُقَتْ أَيْضًا وَلَهَا نِصْفُ مَهْرٍ وَبِالدُّخُولِ الثَّانِي مَهْرٌ أَيْضًا وَبِالتَّزَوُّجِ الثَّالِثِ وَالدُّخُولِ الثَّالِثِ لَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فَصَارَ أَرْبَعَةَ مُهُورٍ وَنِصْفِ مَهْرٍ.

وَهُمَا يَقُولَانِ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ وَالدُّخُولِ بَعْدَهُ لَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ وَبِالتَّزَوُّجِ الثَّانِي مَهْرٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ لِكَوْنِ الدُّخُولِ الْأَوَّلِ دُخُولًا فِي الثَّانِي وَبِالدُّخُولِ الثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّزَوُّجِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَنْكُوحَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ أَوْ بَائِنًا يَعْنِي لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُهَا فَبَائِنُ فَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ أُلْزِمُهُ بِتِلْكَ الْمُهُورِ أَيْ: قَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ اعْتِبَارًا بِالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهُمَا بِخَمْسَةٍ وَنِصْفٍ وَبَانَتْ بِثَلَاثٍ اتِّفَاقًا هُمَا قَالَا وَجَبَ لَهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَهُ مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ وَبِالنِّكَاحِ الثَّانِي طَلُقَتْ ثَانِيًا وَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ وَبِالنِّكَاحِ ثَالِثًا طَلُقَتْ ثَالِثًا وَلَهَا مَهْرٌ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَهُ مَهْرٌ آخَرُ فَصَارَ خَمْسَةَ مُهُورٍ وَنِصْفَ مَهْرٍ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَجَبَتْ بِثَلَاثَةِ دُخُولٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَمَهْرَانِ بِالنِّكَاحَيْنِ الْآخَرَيْنِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>