للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ لَوْ بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ؛ إذْ لَا فَرْقَ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى تَرْكِ مَا ذُكِرَ يُفِيدُ جَوَازَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لَهَا وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَهُمْ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْحِدَادَ حَقُّ الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِتَرْكِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا.

(قَوْلُهُ لَا مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ: لَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا أَوْ مَوْتِهِ وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَتِّ وَالْمَوْتِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَمَلَكَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ عِدَّةُ فَسَادِ النِّكَاحِ وَفِيهَا الْحِدَادُ وَعِدَّةُ الْعِتْقِ وَلَا حِدَادَ فِيهَا فَتُحِدُّ فِي حَيْضَتَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثٍ اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ إذَا فَسَدَ بَعْدَ صِحَّتِهِ يُوجِبُ الْحِدَادَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَسَبَبُهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَا يُتَأَسَّفُ عَلَى الْفَاسِدِ وَاسْتُفِيدَ عَدَمُ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَالْحَاصِلُ لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ عِتْقٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا عَلَى مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَهُنَّ سَبْعٌ لَا حِدَادَ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ قُلْت إنَّ الْعِلَّةَ لِوُجُوبِهِ أَعْنِي إظْهَارَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ فَاتَتْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ بَقِيَتْ أُخْرَى أَعْنِي عَدَمَ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيمَا هُوَ مَمْنُوعٌ فِيهَا وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلرَّغْبَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ فَلَا تَطَّرِدُ وَتِلْكَ عِلَّةٌ يَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ.

(قَوْلُهُ وَلَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ) أَيْ: تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَصْدَرٌ بِمَنْزِلَةِ الْخَطْبِ مِثْلَ قَوْلِك إنَّهُ لَحَسَنُ الْقِعْدَةِ وَالْجِلْسَةِ تُرِيدُ الْقُعُودَ وَالْجُلُوسَ وَفِي اشْتِقَاقِهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْخَطْبَ هُوَ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ يُقَالُ مَا خَطْبُك أَيْ: مَا شَأْنُك فَقَوْلُهُمْ خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ أَيْ: سَأَلَهَا أَمْرًا وَشَأْنًا فِي نَفْسِهَا وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ الْخِطْبَةِ مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ يُقَالُ خَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً؛ لِأَنَّهُ خَاطِبٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَخَطَبَ خُطْبَةً أَيْ: خَاطَبَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعْظِ وَالْخَطْبُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى خِطَابٍ كَثِيرٍ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ بِنَوْعَيْهِ وَعَنْ وَفَاةٍ وَعَنْ عِتْقٍ وَعَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَعُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ خِطْبَةِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَوْلَى وَتَحْرُمُ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقُيِّدَ بِالْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَالِيَةَ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ تَحِلُّ خِطْبَتُهَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا لِجَوَازِ نِكَاحِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا غَيْرُهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ خَطَبَهَا فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

إمَّا أَنْ تُصَرِّحَ بِالرِّضَا فَتَحْرُمَ أَوْ بِالرَّدِّ فَتَحِلَّ أَوْ تَسْكُتَ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَصْحَابِنَا وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ حُرْمَةِ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ حُرْمَةُ نِكَاحِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُطَلِّقِ بِالْأَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ جَعَلُوا دَلِيلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥] وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَعْقِدُوا وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَزْمِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَنْعِ عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ يُقَالُ عَزَمْت عَلَيْك أَيْ أَوْجَبْت عَلَيْك وَالْإِيجَابُ سَبَبٌ لِلْوُجُودِ ظَاهِرًا فَكَانَ مَجَازًا عَنْهُ أَيْ: لَا تُوجِدُوا عَقْدَ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِي الْكِتَابِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى حَتَّى تَبْلُغَ الْعِدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ آخِرَهَا.

الثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ أَيْ: حَتَّى يَبْلُغَ هَذَا الْكِتَابُ آخِرَهُ وَنِهَايَتَهُ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) وَهُوَ لُغَةً خِلَافُ التَّصْرِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ أَنَّ التَّعْرِيضَ تَضْمِينُ الْكَلَامِ دَلَالَةً لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ كَقَوْلِك مَا أَقْبَحَ الْبُخْلَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ بَخِيلٌ وَالْكِنَايَةُ ذِكْرُ الرَّدِيفِ وَإِرَادَةُ الْمَرْدُوفِ كَقَوْلِك فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ وَكَثِيرُ رَمَادِ الْقِدْرِ يَعْنِي أَنَّهُ طَوِيلُ الْقَامَةِ وَمِضْيَافٌ كَذَا فِي

ــ

[منحة الخالق]

مَالٌ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَهُمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ الِامْتِشَاطُ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَهُمْ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ اهـ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ نَصٍّ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ: فِي الْمِعْرَاجِ.

(قَوْلُهُ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ كَمَا «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِيَامِ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ» وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْكَنَ قَلْبُ الْمَرْأَةِ إلَى خَاطِبِهَا الْأَوَّلِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ: الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>