للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ وَتِلْكَ الْأُجْرَةُ غَيْرُ أُجْرَةِ إرْضَاعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ.

(قَوْلُهُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ: فِي التَّرْبِيَةِ وَالْإِمْسَاكِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ» وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ أُطْلِقَ فِي الْأُمِّ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ فَلَا حَضَانَةَ لِمُرْتَدَّةٍ سَوَاءٌ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا لِلْفَاسِقَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ الْأُمُّ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَةِ وَإِنْ كَانَتْ سَيِّئَةَ السِّيرَةِ مَعْرُوفَةً بِالْفُجُورِ مَا لَمْ تَعْقِلْ ذَلِكَ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْفِسْقِ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا الزِّنَا الْمُقْتَضِي لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

مَالٌ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ هَلْ تُجَابُ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ صَرِيحًا لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لِوُجُوبِ التَّرْبِيَةِ عَلَيْهَا حَتَّى تُجْبَرَ إذَا امْتَنَعَتْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ حَيْثُ لَا تُجْبَرُ وَهُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى جَازَ أَنْ يُفْرَضَ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ.

وَلِذَا قَالَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى سُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ فَخْرُ الدِّينِ خَانْ عَنْ الْمَبْتُوتَةِ هَلْ لَهَا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ قَالَ: لَا لَكِنْ صَرَّحَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ بِاسْتِحْقَاقِهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً عَلَى الْأَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ الْأَوَّلِ الْوُجُوبُ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَعِلَّةَ الثَّانِي أَنَّهَا إذَا حَضَنَتْهُ فَقَدْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا فِي تَرْبِيَتِهِ فَيَجِبُ لَهَا عَلَى الْأَبِ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَهُوَ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا دِيَانَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَهِيَ الْأَحَقُّ بِتَرْبِيَتِهِ فَلَا تَطْلُبُ أُجْرَةً مِنْ مَالِهِ وَلَا مِمَّنْ هُوَ دُونَهَا فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ حَضَانَتِهِ فَيَسْتَأْجِرَ لَهُ حَاضِنَةً بِمَالِهِ غَيْرَهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ فَلِلْأَبِ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا حَضَنَتْهُ أُمُّهُ فِي حَالِ النِّكَاحِ أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ أَوْ الْبَائِنِ فِي قَوْلٍ لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا عَلَى الْأَبِ، وَالثَّانِي مُصَرَّحٌ بِهِ وَالْأَوَّلُ تَفَقُّهٌ.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّضَاعِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّهَا وَلَا تَسْتَوْجِبُ عَلَى إقَامَةِ حَقِّهَا أُجْرَةً وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَهُ مَالٌ فَحَضَنَتْهُ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ أَرَهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُهَا فِي مَالِهِ وَإِنْ أَلْحَقْنَا الْحَضَانَةَ بِالرَّضَاعِ قُلْنَا بِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ وَبِجَوَازِهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا أَبٌ فَلَا كَلَامَ فِي جَبْرِهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْضُنُهُ غَيْرَهَا.

هَذَا وَقَدْ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَعَلَى مَا أَجَابَ بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِهَا الْأُجْرَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُنَا كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَتَكُونُ كَالرَّضَاعِ هَذَا هُوَ السَّابِقُ لِلْأَفْهَامِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهِ اهـ. مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ مَا لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا لَمْ يَثْبُتْ فِعْلُهُ عَنْهَا كَذَا فِي النَّهْرِ وَلَكِنْ الَّذِي فِي النُّسَخِ مَا لَمْ تَعْقِلْ بِالْعَيْنِ وَالْقَافِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ تَصَحَّفَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ قَوْلُهُ: تَعْقِلْ بِالْعَيْنِ وَالْقَافِ بِيَفْعِلْ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَهُوَ مِمَّا يُفْسِدُ الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْفِسْقِ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا الزِّنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي قَصْرِهِ عَلَى الزِّنَا قُصُورٌ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ نَائِحَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ فِسْقٌ يَضِيعُ الْوَلَدُ بِهِ اهـ.

وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَنَحْوِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْخُرُوجِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى الزِّنَا فَيَئُولُ إلَى مَا فِي النَّهْرِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتَهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ قَالَ كَيْفَ الْقَصْرُ وَقَدْ قَالَ وَنَحْوِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُقْتَضِي لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ الْوَلَدِ اهـ.

وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَلَا لِلْفَاسِقَةِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ الصَّادِقِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَكِنْ حَمَلَهُ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ عَلَى الْفِسْقِ بِالزِّنَا لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ الْوَلَدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَالْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ بِالْأَوْلَى اهـ.

فَتَبِعْته لَكِنْ عِنْدِي فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ إنَّمَا تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ مِمَّا يُوجِبُ الْفِسْقَ عِنْدَنَا عَلَى جِهَةِ اعْتِقَادِهِ دِينًا لَهَا فَكَيْفَ يُلْحَقُ بِهَا الْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ إجْرَاءُ كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَةَ، وَلَوْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا اهـ. كَلَامُ الْمِنَحِ

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَبَعْدَمَا عَلِمْت أَنَّ الْمَنَاطَ هُوَ الضَّيَاعُ حَقَّقْت أَنَّ بَحْثَ صَاحِبِ الْمِنَحِ لَا حَاصِلَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>