للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِ الْكِبَار حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ اهـ.

وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَجِدْ أَجْنَبِيًّا يَبِيعُهَا بِالنَّسِيئَةِ أَوْ يُقْرِضُهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلَدِهَا وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إذَا وَجَدَتْ فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْسَخُ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ قَالَ الزَّوْجُ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عِنْدِي نَفَقَةٌ فَقَالَ خُذِي عِمَامَتَهُ وَأَنْفِقِيهَا عَلَى نَفْسِكِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ لَهُ عِمَامَةً أُخْرَى وَإِلَّا لَا تُبَاعُ الْعِمَامَةُ فِي النَّفَقَةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ الْخَصَّافُ وَلَا يَبِيعُ مَسْكَنَهُ وَخَادِمَهُ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ يَبِيعُ مَا سِوَى الْإِزَارِ، وَقِيلَ يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ دُسَتًا مِنْ الثِّيَابِ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ دَسْتَيْنِ وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي ذَلِكَ بِبَعْضِهَا وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ إلَى الدُّيُونِ وَالنَّفَقَةِ اهـ.

وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَبْسِ وَفِي بَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَمَا قَضَى بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا وَزَعَمَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلِمَهُ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ، ثُمَّ ثَنَّى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ اهـ.

وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَقُضِيَ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، ثُمَّ أَيْسَرَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْيَسَارِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَيْسَرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِنَفَقَةِ يَسَارِهِ، وَنَفَقَةُ يَسَارِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهَا عِنْدَ الْخَصَّافِ هِيَ الْوَسَطُ، وَكَذَا إذَا أَيْسَرَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا قُضِيَ بِنَفَقَةِ يَسَارِهَا وَهِيَ الْوَسَطُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَلَامُهُ شَامِلًا لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ الْمُرَادُ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى يَسَارِهَا أَيْضًا وَمَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ فَلَا تَنَاقُضَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ فَغَلَا الطَّعَامُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُغَيِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ هَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا مَا لَا يَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي حَيْثُ قَضَى بِمَا لَا يَكْفِيهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَدَارَكَ الْخَطَأَ بِالْقَضَاءِ لَهَا بِمَا يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَرَضَ عَلَى الزَّوْجِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَكْفِيهَا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حُقُوقِهَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَإِنْ أَبَى الِابْنُ أَنْ يُقْرِضَهَا النَّفَقَةَ فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ جَوَابُهُ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إلَخْ) سَيَأْتِي مَا يُقَوِّيهِ وَيُوَضِّحُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ أَحَدٌ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ) أَيْ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَعْرُوفِ إذْ لَيْسَ مِنْهُ أَنْ تَقْتَرِضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ نَفَقَتَهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا مِنْ أَقَارِبِهَا.

(قَوْلُهُ: بَلْ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَسَطِ تُسَمَّى نَفَقَةَ يَسَارٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ إعْسَارِ أَحَدِهِمَا النَّفَقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَبَعْدَ يَسَارِهِ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ. اهـ.

لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَأَيْسَرَتْ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ فِيهِمَا وَيُتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِيمَا إذَا أَيْسَرَ هُوَ حِينَئِذٍ فَأَلْ فِي الْيَسَارِ بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ يَسَارُ الزَّوْجِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا قَدْ عَلِمْت، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِيهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>