للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَبِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا طَلَبَ الِابْنُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْأُنْثَى أَنْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ أَجَابَهُ الْقَاضِي وَيَدْفَعُ مَا فَرَضَ لَهُمْ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُمْ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك شَيْئًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْأَبِ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّغِيرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ الْيَسَارَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّوْجَةِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسَارِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَرْوِيَّةٍ الْأَصَحُّ مِنْهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حَتَّى لَوْ اُنْتُقِصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ لَا تَجِبُ وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَتُهُ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ بِهِ اهـ.

وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ النِّصَابُ الَّذِي لَيْسَ بِنَامٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ غِنَى مَحْرَمٍ لِلصَّدَقَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبٍ لِلزَّكَاةِ وَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤْنَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ وَأَنَّهَا مُؤْنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى اهـ.

وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ الْيَسَارَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهَذَا أَوْجَهُ اهـ.

وَفِي التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنْ مَشَايِخِنَا فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ عَمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأُمِّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرَانِ فَعَلَى الْأُمِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ الْأُمَّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَبَ الْأُمِّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى أَبِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ وَمَعَ هَذَا أَوْجَبَهَا عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى نَفَقَةِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَكَانَ لَهُ كَفَافٌ وَفَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَةُ الْيَسَارِ لَهَا حَدٌّ وَهُوَ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ الْيَسَارُ بِالنِّصَابِ اهـ. كَلَامُهُ.

وَأَقُولُ: النِّصَابُ فِي كَلَامِهِ مُطْلَقٌ مُحْتَمِلٌ لِهَذَا وَلِهَذَا وَلَا يُعَيِّنُهُ لِلزَّكَاةِ قَوْلُهُ وَفَضَلَ مِنْ قُوتِهِ لِاشْتِرَاطِ النَّمَاءِ فِيهِ فَالنِّصَابُ مُطْلَقٌ فِي كَلَامِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ تَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَيِّنُ نِصَابَ الزَّكَاةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نِصَابَ الصَّدَقَةِ لَقَالَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ غَيْرَ نَامٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابٌ نَامٍ فَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ لَا نِصَابُ حِرْمَانِهَا.

(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ إلَخْ) وَكَذَا رَجَّحَهَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الَّتِي إلَخْ إلَى أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّانَقَانِ لِلْقَرِيبِ وَمُجْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَا مَالَ لَهُ حَاصِلٌ اعْتَبَرَ فَضْلَ كَسْبِهِ الْيَوْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ لَهُ مَالٌ اعْتَبَرَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَيُنْفِقُ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَإِنْ صَارَ فَقِيرًا ارْتَفَعَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ. اهـ.

فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ مَحْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ لَا أَحَدِهِمَا كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَبِمَا ذُكِرَ عَنْ الْفَتْحِ تَتِمُّ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأُمُّ مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ هِيَ وَارِثَةٌ فَاجْتَمَعَ فِيهَا الْإِرْثُ وَالْأَقْرَبِيَّةُ مَعَهُ بِخِلَافِهَا مَعَ الْعَمِّ لِوُجُودِ الْإِرْثِ فِيهِمَا فَاعْتُبِرَ أَيْ الْإِرْثُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَهِيَ عَلَى الْأُمِّ لَا عَلَى الْعَمِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْفَقِيرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْأُمُّ مِنْ قِسْمِ الْأُصُولِ لَا الْعَمُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>