للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْوِ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي، وَهَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَيْ يُصْبِحُ بِهَذَا ابْنِي وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا مَعَ أَنَّهَا صَرَائِحُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا النَّسَبُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً الِابْنَ وَالْأَبَ وَالْأُمَّ، فَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الصِّفَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ هَذَا ابْنِي فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنَّ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَعْتِقُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعْتِقُ سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ، وَقَالَا لَا يَعْتِقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكَتِهِ هَذِهِ بِنْتِي خِلَافًا وَوِفَاقًا لَهُمَا إنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ فَيُرَدُّ وَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ وَلَهُ أَنَّهُ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ لِمَجَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ.

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجُوزُ أَوْ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك خَطَأً فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ وَمَا لَمْ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ هَلْ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْهَا فِي التَّكَلُّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ، وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَوَى أَمْ لَمْ يَنْوِ إذْ لَا تَزَاحُمَ كَيْ لَا يُلْغَى كَلَامُ الْعَاقِلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ عَتَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَإِلَّا فَقَضَاءً وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ.

وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ فَقَضَاءً فِيمَا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي السِّنِّ لَا الْمُشَاكَلَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَقَيَّدَ بِالْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ هَذِهِ ابْنَتِي لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، أَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا أَبِي فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَكِنْ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ أَبًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ.

أَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ أُمِّي وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَبِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعْتِقُ وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ هَذَا عَمِّي أَوْ خَالِي يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى - هَذَا أَخِي - آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا يَعْتِقُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَى الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةَ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي فَقِيلَ هُوَ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

مَنْ قِيلَ لَهُ أَنْت غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا تَسْوِيَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَمْرًا مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا إذَا نَوَى بِهَذَا الْكَلَامِ الْعِتْقَ وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً كَمَا لَا يَخْفَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>