للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصَرُّفَاتُ أَمَّا لَا يُؤْذَنُ بِالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِسْعَاءِ نَصِيبِهِ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لَا يَتَمَكَّنُ. اهـ.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَقِيمَةُ الْمُدَبِّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا وَهُوَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ وَالْمُدَبِّرُ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ تِسْعَةً وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ وَالْبَدَلِ وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَأَتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ.

وَهَذَا أَحْسَنُ عِنْدِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ هُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ الشَّامِلُ لِلْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالْوَطْءِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ فَالْبَاقِي فِي الْمُدَبَّرِ شَيْئَانِ: الِاسْتِخْدَامُ وَالسِّعَايَةُ وَالْفَائِتُ الْبَدَلُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ فَلِذَا كَانَ الْمُفْتَى بِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، أَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا الْعَبْدُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءَ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إذَا اخْتَارَ عَدَمَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَلَاءَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ اهـ.

وَمُرَادُهُ أَنَّهُ بَيْنَ عَصَبَةِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُدَبَّرِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ.

لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ يُوجِبُ إخْرَاجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِتَنْجِيزِ أَحَدِ الْأُمُورِ مِنْ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ حَتَّى مُنِعَ اسْتِخْدَامُ الْمُدَبِّرِ إيَّاهُ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ابْتِدَاء وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ السَّاكِتُ فَإِنَّهُ لَا تَتَأَخَّرُ حُرِّيَّةُ بَاقِيهِ إلَى مَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ إلَى آخِرِهِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ التَّضْمِينِ، وَكَذَا الْمُعْتِقُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْمُدَبِّرِ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِيَسَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِيَسَارِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ، أَمَّا السَّاكِتُ فَلَا اعْتِبَارَ بِحَالِهِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رُجُوعَ الْمُدَبِّرِ بِمَا ضَمَّنَهُ لِلسَّاكِتِ عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ قِنًّا كَمَا ضَمِنَ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ السَّاكِتِ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُدَبِّرِ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُدَبِّرِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا مَعَ ثُلُثِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا كَمَا هُوَ صِفَتُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ مَلَكَ ثُلُثَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ صَارَ مُدَبَّرًا لَا قِنًّا وَلِذَا قُلْنَا فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ ابْتِدَاءً وَالْجَوَابُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَنْعِ كَوْنِ الثُّلُثِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ صَارَ مُدَبَّرًا بَلْ هُوَ قِنٌّ عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا مُوجِبَ لِصَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْمِلْكِ الْآنَ لَا يُوجِبُهُ وَالتَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ وَذِكْرُهُمْ إيَّاهُ فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَأَدَّى الضَّمَانَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا تَمَلُّكٍ اهـ.

وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا عُلِمَ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَرَّرَهُ آخَرُ بِمَعْنَى ثُمَّ، قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ وَكَاتَبَ الْآخَرُ وَلَا يُعْلَمُ الْأَوَّلُ فَالتَّصَرُّفَاتُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِلْمُدَبَّرِ فِي سُدُسِ قِيمَتِهِ وَضَمِنَ لَهُ الْمُعْتِقُ أَيْضًا

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>