وَعَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا الْمُقِيمِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُمَا، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعَدَمُ فَأَيْنَمَا تَحَقَّقَ جَازَ التَّيَمُّمُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْمِصْرِ إلَّا لِخَوْفِ فَوْتِ جِنَازَةٍ أَوْ صَلَاةِ عِيدٍ أَوْ لِلْجُنُبِ الْخَائِفِ مِنْ الْبَرْدِ وَكَذَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ نَادِرًا وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى عَادَةِ الْأَمْصَارِ فَلَيْسَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا وَتَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُفْسِدُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ثَلَاثَةٍ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْإِفْطَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اهـ
وَفِي الْمُحِيطِ الْمُسَافِرُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ شُرِعَ طَهُورًا حَالَةَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَا تُكْرَهُ الْجَنَابَةُ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ فَكَذَا حَالَ عَدَمِهِ اهـ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَمَنْ كَانَ فِي كِلَّةٍ جَازَ تَيَمُّمُهُ لِخَوْفِ الْبَقِّ أَوْ مَطَرٍ وَحَرٍّ شَدِيدٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَاسِبٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لَا لِقَوْلِ أَئِمَّتِنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خَوْفَ الْفَوْتِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْبُعْدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَكِنْ ظَفِرْت بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ ازْدَحَمَ جَمْعٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا إلَّا بِالْمُنَاوَبَةِ لِضِيقِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِاتِّحَادِ الْآلَةِ لِلِاسْتِقَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ وُصُولَ النَّوْبَةِ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَصْبِرُ عِنْدَنَا لِيَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَيَمَّمُ وَلَوْ كَانَ جَمْعٌ مِنْ الْعُرَاةِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ إلَّا ثَوْبٌ يَتَنَاوَبُونَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَصْبِرُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ ضَيِّقٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَوْضِعٌ يَسَعُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَقَطْ لَا يُصَلِّي قَاعِدًا بَلْ تَصْبِرُ وَيُصَلِّي قَائِمًا بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْقُدْرَةُ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَمَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ وَلَكِنْ لَوْ غَسَلَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَ غَسْلُهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَأَمَّا الْعَدَمُ مَعْنًى لَا صُورَةً فَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِمَانِعٍ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ مِنْهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِمَرَضٍ) يَعْنِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرَضِ وَأَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ يَخَافَ اشْتِدَادَ مَرَضِهِ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فَعَلِمَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ خَوْفِ الِاشْتِدَادِ وَالِامْتِدَادِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ بِالتَّحَرُّكِ كَالْمَبْطُونِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالْجُدَرِيِّ أَوْ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَجَدَ خَادِمًا كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ خَادِمِهِ مَنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ وَلَوْ زَوْجَتَهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ فِي التَّجْنِيسِ عَنْ شَيْخِهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ مَرِيضًا
ــ
[منحة الخالق]
بَاعٍ وَالْبَاعُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعَ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مَرْصُوصَةٌ بِالْعَرْضِ وَالشَّعِيرُ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِشَعْرِ الْبِرْذَوْنِ اهـ كَلَامُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
قَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ
إنَّ الْبَرِيدَ مِنْ الْفَرَاسِخِ أَرْبَعُ ... وَلِفَرْسَخٍ فَثَلَاثُ أَمْيَالِ ضَعُوا
وَالْمِيلُ أَلْفٌ أَيْ مِنْ الْبَاعَاتِ قُلْ ... وَالْبَاعُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ تُتَتَبَّعُ
ثُمَّ الذِّرَاعُ مِنْ الْأَصَابِعِ أَرْبَعُ ... مِنْ بَعْدِهَا الْعِشْرُونَ ثُمَّ الْأُصْبُعُ
سِتُّ شُعَيْرَاتٍ فَظَهَرَ شُعَيْرَةٌ ... مِنْهَا إلَى بَطْنٍ لِأُخْرَى تُوضَعُ
ثُمَّ الشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ فَقُلْ ... مِنْ شَعْرِ بَغْلٍ لَيْسَ فِيهَا مِدْفَعٌ
أَقُولُ: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ الْمُعَوَّلُ فَتَأَمَّلْ اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ مُلَخَّصًا وَفِي الشرنبلالية قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ اهـ.
قُلْتُ: لَكِنْ مَا ادَّعَاهُ مِنْ تَأْيِيدِ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ لِمَا قَالَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَعْدَ تَحْدِيدِهِ الذِّرَاعَ وَكَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْهَائِمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ فِي كِلَّةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَغِشَاءٌ رَقِيقٌ يَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْبَعُوضِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ) عِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ أَحَدًا يُوَضِّئُهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ