للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ، وَالْأَوْسَطُ وَالْأَصْغَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَحِقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ وَلَمَّا خَصَّ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَمَا لَزِمَهُ هَذَا شَرْعًا كَانَ هَذَا نَفْيًا مِنْهُ لِلْأَخِيرَيْنِ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِالنَّفْيِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قِيلَ السُّكُوتُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَكِنَّ السُّكُوتَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيَانِ يُجْعَلُ دَلِيلَ النَّفْيِ فَهَذَا مِثْلُهُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُنْتُ أَطَأُ لِقَصْدِ الْوَلَدِ عِنْدَ مَجِيئِهَا بِالْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَلَدِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ لِقَصْدِ الْوَلَدِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الدَّرْسِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِنْ كُنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاعْتِرَافَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ أَنْ نُوجِبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافَ لِيَعْتَرِفَ فَيَثْبُتَ نَسَبُهُ بَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ابْتِدَاءً وَأَظُنُّ أَنْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِذَلِكَ اهـ.

وَأَقُولُ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِهِ لِتَصْرِيحِ أَهْلِهِ بِخِلَافِهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الْأَمَةُ الْقِنَّةُ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَإِنْ حَصَّنَهَا الْمَوْلَى وَطَلَبَ الْوَلَدَ مِنْ وَطْئِهَا بِدُونِ الدَّعْوَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِدُونِ الدَّعْوَةِ اهـ.

فَإِنْ أَرَادَ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْقَاضِي ظَاهِرًا فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَرَادَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمْهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِيَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا، أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَالتَّحْصِينَ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ عَنْ مَظَانِّ الرِّيبَةِ، وَالْعَزْلُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يُنْزِلَ فِي مَوْضِعِ الْمُجَامَعَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ مَوْلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِظُهُورِهِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ وَتَدْبِيرُهُ وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ اهـ.

مَعَ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُ فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ.

(قَوْلُهُ: وَانْتَفَى بِنَفْيِهِ) أَيْ انْتَفَى نَسَبُ الْوَلَدِ الثَّانِي بِنَفْيِ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانٍ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يُنْفَى نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ أَطْلَقَ فِي النَّفْيِ فَشَمِلَ الصَّرِيحَ وَالدَّلَالَةَ كَمَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنَيْنِ فَادَّعَى نَسَبَ الثَّانِي كَانَ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَادَّعَى نَسَبَ الثَّانِي كَانَ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَادَّعَى نَسَبَ الْأَكْبَرِ كَانَ نَفْيًا لِمَا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ مَا إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَهُوَ سَاكِتٌ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ؛ لِأَنَّ التَّطَاوُلَ دَلِيلُ إقْرَارِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ إذَا لَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِ الْحَنَفِيِّ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ صَرِيحِ الدَّعْوَةِ.

(قَوْلُهُ: وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ وَلَمْ تَسَعْ لِغَرِيمِهِ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَقُولُ إنَّهُ: لَا يَصِحُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَالدَّعْوَةِ أَمْ لَا وَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَا يُصَادِمُهُ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ (قَوْلُهُ: فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلِيِّهِ كَعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْجَوَابِ لَا يَصِحُّ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالدَّعْوَةِ إذْ فِي الدَّعْوَةِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَقَدْ نَظَمَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ

وَذُو عَتَهٍ أَوْ جُنَّةٍ وَلَدَتْ لَهُ ... وَلَمْ يَدَّعِهِ أُمَّ وَلَدٍ تَصِيرُ

قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَكَأَنَّهُ يَعْنِي: الْمُؤَلِّفُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ اهـ.

قُلْتُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَوْلِ شَارِحِهَا ابْنِ الشِّحْنَةِ حَيْثُ قَالَ: مَسْأَلَةُ الْبَيْتِ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَرْقُومًا فِيهِ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ: وَمَتَى وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ دَعْوَتُهُ لِلْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ مَعَ عَدَمِ الدَّعْوَى مِنْهُمَا اهـ.

وَعَامَّةُ الْمُصَنِّفِينَ لَمْ يَسْتَثْنُوا هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْأَوَّلِ إلَّا بِالدَّعْوَى اهـ. كَلَامُ الشِّحْنَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ قَضَاءً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صِحَّتَهُ دِيَانَةً بِأَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْقُنْيَةِ وَلِهَذَا إلَخْ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فَرْعُ الْعِلْمِ بِالْوَطْءِ وَهَذَا عَسِيرٌ وَهَلْ يَكْفِي لِذَلِكَ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>