للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْيَمِينِ مَلْفُوظٌ بِهِ يَجُوزُ تَعْيِينُ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ بِالْغَرَضِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَلْفُوظِ فَلَا يَجُوزُ بِالْغَرَضِ فَفِي مَسْأَلَةِ لَا أَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ الْبَائِعُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ الْمَنْعَ عَنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ. اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ الْخَامِسِ مِنْ الْيَمِينِ فِي الشِّرَاءِ، وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي حَلَفَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ بِعْتُ هَذَا مِنْكَ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا هَذَا جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بِعَشَرَةٍ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَإِذَا بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا. اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الْأَلْفَاظِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْأَغْرَاضِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ عِنْدَ التَّخَاطُبِ أَوْ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ وَالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَالدِّهْلِيزِ وَالظُّلَّةِ وَالصُّفَّةِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْبَيْتُ فِي الْعُرْفِ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ، وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا، وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ الْكَعْبَةَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَظْهَرَ وَالْبِيعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ مَعْبَدُ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالدِّهْلِيزُ بِكَسْرِ الدَّالِ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالظُّلَّةُ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الْبَابِ، وَأَطْرَافُهَا الْأُخْرَى عَلَى جِدَارِ الْجَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسْقَفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الدِّهْلِيزِ وَالصُّفَّةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَصْلُحَا

ــ

[منحة الخالق]

الْبَيْعَ بِالْعَشَرَةِ نَوْعَانِ بَيْعٌ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَبَيْعٌ بِعَشَرَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالزِّيَادَةِ فَفِي الْمُشْتَرِي اللَّفْظُ مُطْلَقٌ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَكَانَ مُرَادُهُ الْعَشَرَةَ الْمُطْلَقَةَ أَمَّا الْبَائِعُ فَمُرَادُهُ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ بِدَلَالَةِ الْحَالِ إذْ غَرَضُهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَلَا يَحْنَثُ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا تَعَارَفُوهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ مُسْتَنْقِصٌ فَكَانَ شَرْطُ بِرِّهِ الشِّرَاءَ بِأَنْقَصَ مِنْ عَشَرَةٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَأَمَّا الْبَائِعُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَزِيدًا لِلثَّمَنِ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفَوَاتِ الْغَرَضِ وَحْدَهُ بِدُونِ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُسَمَّى، وَهُوَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَحْنَثُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا يُنَاقِضُ الْبِرَّ صُورَةً، وَهُوَ تَحْصِيلُ مَا هُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ صُورَةً، وَلِلْحَالِفِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ غَرَضٌ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ صُورَةً، وَفَاتَ غَرَضُهُ بِهِ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ الْبِرِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَحْنَثُ أَمَّا إذَا وُجِدَ صُورَةُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِدُونِ فَوْتِ الْغَرَضِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَكُونُ حِنْثًا مُطْلَقًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحِنْثِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَابِ فَخَرَجَ مِنْ جَانِبِ السَّطْحِ أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ سَوْطًا فَضَرَبَهُ بِعَصًا أَوْ لَا يَشْتَرِي لِامْرَأَتِهِ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ أَوْ لَيُغَدِّيَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَغَدَّاهُ بِرَغِيفٍ مُشْتَرًى بِأَلْفٍ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ.

وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ فِي الْأُولَى الْقَرَارَ فِي الدَّارِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الِامْتِنَاعَ عَنْ إيلَامِ الْعَبْدِ، وَفِي الثَّالِثَةِ إيذَاءَ الْمَرْأَةِ، وَعَدَمَ الْإِنْعَامِ عَلَيْهَا، وَفِي الرَّابِعَةِ كَوْنَ مَا يُغَدِّيهِ بِهِ كَثِيرَ الْقِيمَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ بِتِسْعَةٍ وَثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعَشَرَةَ بِإِزَاءِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنْقِصًا الثَّمَنَ عَنْ الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ غَرَضٌ وَبِالْغَرَضِ يَبَرُّ، وَلَا يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ صُورَةً، وَهُوَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مَعَ تَحَقُّقِ شَرْطِ بِرِّهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ إذْ غَرَضُهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَبِالْغَرَضِ يَتَحَقَّقُ الْبِرُّ دُونَ الْحِنْثِ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ وَبِالْعُرْفِ يُخَصُّ، وَلَا يُزَادُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ، وَهُوَ أَنَّ غَرَضَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْيَمِينِ عُرْفًا النُّقْصَانُ عَنْ عَشَرَةٍ فَإِذَا اشْتَرَاهُ بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ بِتِسْعَةٍ وَثَوْبٍ لَمْ يُوجَدْ النُّقْصَانُ بَلْ وُجِدَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ وَالْمَالِيَّةُ فَوَجَبَ الْحِنْثُ، وَكَذَا الْبَائِعُ بِتِسْعَةٍ مُفْرَدَةٍ وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ بِعَشَرَةٍ مَنْعٌ عَنْ إزَالَتِهِ بِتِسْعَةٍ مُفْرَدَةٍ عُرْفًا.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْغَرَضِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ وَاَلَّذِي تَلَفَّظَ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ الشِّرَاءَ بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ إذْ الدِّرْهَمُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّينَارَ، وَلَا الثَّوْبَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الشِّرَاءِ بِمَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةً بِاعْتِبَارِ الْغَرَضِ فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى مَا لَيْسَ فِي لَفْظِهِ بِالْعُرْفِ لِمَا يَذْكُرُهُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ لَمْ يَحْنَثْ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَلْفُوظَ هُوَ الْعَشَرَةُ وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ إذْ اسْمُ الْعَشَرَةِ لَا يَحْتَمِلُ التِّسْعَةَ لِيَتَعَيَّنَ بِغَرَضِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى اللَّفْظِ بِالْعُرْفِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِتِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>