للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ذَوْقًا وَزِيَادَةً. اهـ.

وَسَيَأْتِي بَيَانُ اللُّبْسِ وَالْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا عَنْهُ وَالثَّمَرُ بِالْمُثَلَّثَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَيَحْنَثُ بِالْجُمَّارِ وَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالطَّلْعِ وَالدِّبْسِ الْخَارِجِ مِنْ ثَمَرِهَا وَالْجُمَّارُ رَأْسُ النَّخْلَةِ، وَهِيَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَيِّنٌ وَالطَّلْعُ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلِ، وَهُوَ الْكِمُّ قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ وَيُقَالُ لِمَا يَبْدُو مِنْ الْكِمِّ طَلْعٌ أَيْضًا، وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ يُشْبِهُ بِلَوْنِهِ الْأَسْنَانَ وَبِرَائِحَتِهِ الْمَنِيَّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَيَّدَ بِالثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمَا تَغَيَّرَ بِصِفَةٍ حَادِثَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَالْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى الشَّجَرِ وَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا وَأَكَلَهُ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِثَمَرِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا فَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ، وَأَكَلَ مِنْ عَيْنِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ قَالُوا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَأَشَارَ بِالنَّخْلَةِ إلَى كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَدِبْسِهِ، وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ، وَقَيَّدَ بِمَا لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً، وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا.

وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ، وَعَصِيرِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالنِّيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِهَا فَلَوْ نَوَى أَكْلَ عَيْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ صَارَ مُتَعَيِّنًا ظَاهِرًا فَإِذَا نَوَى بِخِلَافِ الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَيَّنَ الْبُسْرَ وَالرُّطَبَ وَاللَّبَنَ لَا يَحْنَثُ بِرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ، وَهَذَا الشَّابِّ، وَهَذَا الْحَمَلِ) ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الرُّطُوبَةِ وَالْبُسُورَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ رُطَبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا يَعْنِي يَابِسًا، وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ شِيرَازًا أَيْ رَائِبًا، وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي فِي الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الصِّبَا دَاعِيَةٌ إلَى الْمَرْحَمَةِ لَا إلَى الْهِجْرَانِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْإِشَارَةِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْحَمَلَ بِفَتْحَتَيْنِ، وَلَدُ الشَّاةِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِصِفَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ تَقَيَّدَ بِهِ فِي الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ فَإِنْ زَالَتْ زَالَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَمَا لَا يَصْلُحُ دَاعِيَةً اُعْتُبِرَ فِي الْمُنَكَّرِ دُونَ الْمُعَرَّفِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَيَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَّرَ فَسَيَأْتِي، وَقَيَّدَ بِهَذَا الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا فَكَلَّمَ بَالِغًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْحَلِفِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فَالصَّبِيُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَكَذَا الْغُلَامُ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ شَابٌّ، وَفَتًى إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَهُوَ كَهْلٌ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ شَيْخٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْعِنَبَ فَصَارَ زَبِيبًا

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>