وَنَحْوِهِ فَلِذَا يُقَالُ اصْطَبَغَ بِهِ، وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِلْعُرْفِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ.
وَيَكْفِيهِ الِاسْتِدْلَال بِالْعُرْفِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِالْحَدِيثِ «سَيِّدُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» وَالْحِكَايَةُ هِيَ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِشَرِّ إدَامٍ عَلَى يَدِ شَرِّ رَجُلٍ فَبَعَثَ إلَيْهِ جُبْنًا عَلَى يَدِ رَجُلٍ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ أَصْهَارِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إذْ يُقَالُ فِي الْخَلِيفَةِ سَيِّدُ الْعَجَمِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا حِكَايَةُ مُعَاوِيَةَ فَيَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّتِهَا، وَهِيَ بَعِيدَةٌ إذْ يَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ إرْسَالَ شَخْصٍ إلَى بِلَادِ الرُّومِ مُلْتَزِمًا لِمُؤْنَتِهِ لِغَرَضٍ مُهْمَلٍ لِكَافِرٍ وَالسَّكَنُ فِي بَيْتِ الصِّهْرِ قَطُّ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّاكِنُ شَرَّ رَجُلٍ فَآثَارُ الْبُطْلَانِ تَلُوحُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبَيْضَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا أَكَلَ الْإِدَامَ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ بِإِدَامٍ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ وَحْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ الْخُبْزَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ فَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بَلْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْفَوَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا يَكُونُ إدَامًا عِنْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْبَدَائِعِ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا مَأْدُومًا فَقَالَ الْخُبْزُ الْمَأْدُومُ الَّذِي يُثْرَدُ ثَرْدًا يَعْنِي فِي الْمَرَقِ وَالْخَلِّ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَقِيلَ لَهُ فَإِنْ ثُرِدَ فِي مَاءٍ، وَمِلْحٍ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَأْدُومًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) أَيْ التَّغَدِّي الْأَكْلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ فِي الْحَقِيقَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ لَا لِلْأَكْلِ، وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فَقَالَ التَّغَدِّي الْأَكْلُ الْمُتَرَادِفُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ، وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ مِمَّا يُتَغَدَّى بِهِ عَادَةً وَغَدَاءُ كُلِّ بَلْدَةٍ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ.
وَفِي التَّبْيِينِ، وَمِقْدَارُ مَا يُحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ؛ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَا تُسَمَّى غَدَاءً عَادَةً وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلْدَتِهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَشَبِعَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا، وَإِنْ كَانَ بَدْوِيًّا يَحْنَثُ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَهُوَ عَلَى الْخُبْزِ فَلَوْ تَغَدَّى بِغَيْرِ الْخُبْزِ مِنْ الْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَاللَّبَنِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ غَيْرَ بَدْوِيٍّ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ، وَقَدْ تَغَدَّى بِأُرْزٍ وَسَمْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ، وَإِنْ تَغَدَّى الْمِصْرِيُّ بِالْعِنَبِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ مِمَّنْ عَادَتُهُمْ التَّغَدِّي بِالْعِنَبِ فِي وَقْتِهِ. اهـ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُسَمُّونَهُ غَدَاءً.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدْوَةً فَأَتَاهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَدْ بَرَّ، وَهُوَ غَدْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْغَدَاءِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا الضَّحْوَةُ فَمِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَا يُصْبِحُ فَالتَّصْبِيحُ عِنْدِي مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ فَإِذَا ارْتَفَعَ الضُّحَى الْأَكْبَرُ ذَهَبَ وَقْتُ التَّصْبِيحِ؛ لِأَنَّ التَّصْبِيحَ تَفْعِيلٌ مِنْ الصَّبَاحِ، وَالتَّفْعِيلُ لِلتَّكْثِيرِ فَيَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْإِصْبَاحُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ التَّعَشِّي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) هُوَ يَقُولُ إنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ إدَامٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ زَيْلَعِيٌّ.