للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ الْحُرِّيَّةُ.

وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ دُونَ الْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذَا وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَهِيَ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ فَتَسَرَّى مَنْ فِي مِلْكِهِ أَوْ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ، وَأَنَّهَا تَطْلُقُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِلَا مَانِعٍ قَالَ فِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ لِأَمَةٍ إنْ تَسَرَّيْت بِك فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَاهَا فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ عَبْدُهُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَلَا يُعْتَقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ. اهـ.

فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنْ بَعْضَ أَهْلِ الْعَصْرِ قَاسَ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّسَرِّي عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ يَصِحُّ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَرِّيَ هُنَا تَفَعُّلٌ مِنْ السَّرِيَّةِ، وَهُوَ اتِّخَاذُهَا وَالسَّرِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِنْ السُّرُورِ فَإِنَّهَا تُسَرُّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَيُسَرُّ هُوَ بِهَا أَوْ مِنْ السَّرْوِ وَالسِّيَادَةِ فَضُمَّ سِينُهَا عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ السِّرِّ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ أَوْ بِمَعْنَى ضِدِّ الْجَهْرِ فَإِنَّهَا قَدْ تَخْفَى عَلَى الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ فَضَمُّهَا مِنْ تَغْيِيرَاتِ النَّسَبِ كَمَا قَالُوا دُهْرِيٌّ بِالضَّمِّ فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ، وَفِي النِّسْبَةِ إلَى السَّهْلِ مِنْ الْأَرْضِ سُهْلِيٌّ بِالضَّمِّ وَالْفِعْلُ مِنْهُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ مَصْدَرِهِ، وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيُعِدَّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهَا بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا، وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ) (عَتَقَ عَبِيدَهُ الْقِنَّ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَمُدَبَّرُوهُ لَا مُكَاتَبَهُ) لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِيمَا عَدَا الْمُكَاتَبَ إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ، وَهَذِهِ) (طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا، وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ، وَفُلَانٍ لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ خَمْسَمِائَةٍ لِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ، وَعَطَفَ الثَّالِثَ عَلَى الْوَاقِعِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ أَنَّ النِّصْفَ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ لِلْأَخِيرَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَلِيهِ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا لَهُمَا فَتَنْتَفِي الشَّرِكَةُ إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ قَيَّدَ بِكَوْنِ أَوْ دَخَلَتْ فِي الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْ فِي النَّفْيِ كَمَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا، وَفُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْأَخِيرَيْنِ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا فَجَعَلَ الثَّالِثَ فِي الْكَلَامِ مَضْمُومًا إلَى الثَّانِي عَلَى التَّعْيِينِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ جُعِلَ مَضْمُومًا إلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا مُنْكَرًا إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ فَتَطْلُقُ إحْدَاهُمَا، وَفِي الْكَلَامِ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْإِفْرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَيَنْضَمُّ الثَّالِثُ إلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَامًا عَلَى حِدَةٍ كَأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ وَشَرَعَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي وَالْعَطْفُ فِيهِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّ الِاتِّصَالَ فِيهِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ثَابِتٌ فَيَكُونُ الثَّالِثُ

ــ

[منحة الخالق]

عَزَاهُ فِي النَّهْرِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ إلَى الْفَتْحِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا غَيْرُ أَنَّهُ زَادَ مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَعَلَهُ مَهْرًا، وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ قَالُوا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.

فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا تَحْرِيفٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ

<<  <  ج: ص:  >  >>