للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ الْحَدُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ، وَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ أَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهَا وَلَيْسَ فَائِدَةُ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ مُنْحَصِرَةً فِي احْتِمَالِ التَّقَادُمِ وَهُوَ مُضِرٌّ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً أُخْرَى وَهُوَ احْتِمَالُ وُجُودِهِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَلَوْ سُئِلَ عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا فَقَالَ لَا أَعْرِفُهَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُحَدُّ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَذَّبَتْهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ بِسُؤَالِ الْإِمَامِ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا.

قَوْلُهُ (: فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ فِيهِ فَتَحَقُّقُ الشُّبْهَةِ بِالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَلَا كَذَلِكَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الشَّرْعِ أَطْلَقَ فِي الرُّجُوعِ فَشَمِلَ الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا هَرَبَ كَمَا فِي الْحَاوِي وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ فَهَرَبَ فِي حَالِ الرَّجْمِ اُتُّبِعَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يُقْضَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الْحَاوِي، وَإِنْكَارُ الْإِقْرَارِ رُجُوعٌ كَإِنْكَارِ الرِّدَّةِ تَوْبَةٌ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ يُدْرَأُ عِنْدَ الْحَدِّ اهـ.

وَكَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ شَرْطًا لِلْحَدِّ صَارَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمُكَذِّبِ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ بَحْثِ الْعَلَّامَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ كَحَدِّ الشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ.

قَوْلُهُ (وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ) لِحَدِيثِ مَاعِزٍ فِي الْبُخَارِيِّ «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت» وَقَالَ فِي الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُلَقِّنَهُ بِمَا يَكُونُ ذِكْرُهُ دَارِئًا لِيُذَكِّرَهُ كَائِنًا مَا كَانَ كَمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلسَّارِقِ الَّذِي جِيءَ بِهِ إلَيْهِ أَسَرَقْت وَمَا أَخَالُهُ سَرَقَ» أَيْ وَمَا أَظُنُّهُ سَرَقَ تَلْقِينًا لَهُ لِيَرْجِعَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ سَقَطَ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَزْنِيَّ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ وَقْتَ الْفِعْلِ

قَوْلُهُ (، فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَقَدْ كَانَ أُحْصِنَ» وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ» وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَإِنْكَارُ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَنْكَرُوا حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ بِالدَّلِيلِ بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، وَإِنْ أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِنْكَارِهِمْ حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ بَعْدَ بُطْلَانِهِ بِالدَّلِيلِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّجْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وُجُودِ حَاتِمٍ، وَالْآحَادِ فِي تَفَاصِيلِ صُوَرِهِ وَخُصُوصِيَّاتِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنَّمَا يُرْجَمُ فِي الْفَضَاءِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ مَاعِزًا رُجِمَ بِالْمُصَلَّى» وَفِي مُسْلِمٍ «فَانْطَلَقْنَا بِهِ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» ، فَإِنَّ الْمُصَلَّى كَانَ بِهِ وَهُوَ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمَقْضِيُّ بِرَجْمِهِ إذَا قَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً.

قَوْلُهُ (يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ) أَيْ بِالرَّجْمِ يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَتَجَاسَرُ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُ فَكَانَ فِي بِدَايَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ بِدَايَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ قُلْنَا كُلُّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ

ــ

[منحة الخالق]

بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْعَقَدَ إلَخْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا) أَيْ إلَّا فِي سَبْعٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَشْبَاهِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ فَزُفَّتْ لَهُ أُخْرَى فَوَطِئَهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ رَجُلٌ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ حَسَبْتهَا امْرَأَتِي قَالَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَالْأُولَى؛ لِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ هَذِهِ الَّتِي فَجَرَ بِهَا بِوَلَدٍ لَمْ أُثْبِتْ نَسَبَهُ مِنْهُ اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هُوَ جَازِمٌ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ إلَى الْآنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَسَبْتهَا امْرَأَتِي، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ الْآنَ مُقِرٌّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِنَّمَا ظَنَّهَا وَقْتَ الْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ ادَّعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>