الْحَاصِلَةُ بِهِ وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ التُّرَابَ طَهُورِيَّتُهُ مُؤَقَّتَةٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَهُوَ وُجُودُ الْمَاءِ فَثَبَتَ بِهِ الطَّهَارَةُ الْمُؤَقَّتَةُ الْحَاصِلَةُ عَلَى صِفَةِ الْمُطَهِّرِ فَإِذَا زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ زَالَتْ طَهَارَتُهُ وَالْمَاءُ لَمَّا كَانَ مُطَهِّرًا وَلَا تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ بِدُونِ شَيْءٍ يَتَّصِلُ بِهِ ثَبَتَ بِهِ الطَّهَارَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ طَهُورِيَّتَهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا شَيْءٌ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَوْقِيتِ الطَّهُورِيَّةِ تَأْقِيتُ الطَّهَارَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُ النِّزَاعِ فَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِبَقِيَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مَرْوِيٌّ فِي الْمَصَابِيحِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَشْرَةِ حِجَجٍ لِبَيَانِ طُولِ الْمُدَّةِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: ٨٠] ، فَإِنَّهُ لِبَيَانِ الْكَثْرَةِ لَا لِلتَّحْدِيدِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى
وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ نَاقِضٌ حَقِيقَةً لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ بِطَهَارَةٍ ضَرُورِيَّةِ وَلَا خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَمَلُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ شَرْطًا لِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَانْتَفَى؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ وَالنَّائِمُ عَلَى صِفَةٍ لَا تُوجِبُ النَّقْضَ كَالنَّائِمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ كَافٍ مَقْدُورِ الِاسْتِعْمَالِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا أَمَّا النَّائِمُ عَلَى صِفَةٍ تُوجِبُ النَّقْضَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ إذْ التَّيَمُّمُ انْتَقَضَ بِالنَّوْمِ؛ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَجْمَعِ فِي النَّاعِسِ لَكِنْ يُتَصَوَّرُ فِي النَّوْمِ النَّاقِضِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ مُتَيَمِّمًا عَنْ جَنَابَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَالْمُخْتَارُ فِي الْفَتَاوَى عَدَمُ الِانْتِقَاضِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ جَازَ تَيَمُّمُهُ اتِّفَاقًا اهـ.
وَفِي التَّجْنِيسِ جَعَلَ الِاتِّفَاقَ فِيمَا إذَا كَانَ بِجَنْبِهِ بِئْرٌ، وَلَا يَعْلَمُ بِهَا، وَأَثْبَتَ الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَصَحَّحَ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ الْمُتَيَمِّمِ
وَفِي الصَّائِمِ إذَا نَامَ عَلَى قَفَاهُ وَفَمُهُ مَفْتُوحٌ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ وَفِيمَنْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ فَسَدَ صَوْمُهَا وَفِي الْمُحْرِمَةِ إذَا جُومِعَتْ نَائِمَةٌ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَفِي الْمُحْرِمِ النَّائِمِ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَفِي الْمُحْرِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى صَيْدٍ وَقَتَلَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَفِي الْمَارِّ بِعَرَفَةَ نَائِمًا، فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ وَفِي الصَّيْدِ سِرَايَةِ إلَيْهِ بِالسَّهْمِ إذَا وَقَعَ عِنْدَ نَائِمٍ فَمَاتَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَكَاتِهِ وَفِيمَنْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَضْمَنُ وَفِيمَنْ وَقَعَ عَلَى مُورِثِهِ فَقَتَلَهُ يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ عَلَى قَوْلٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيمَنْ رَفَعَ نَائِمًا فَوَضَعَهُ تَحْتَ جِدَارٍ فَسَقَطَ عَلَيْهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ وَفِي عَدَمِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَمَعَهُمَا أَجْنَبِيٌّ نَائِمٌ وَفِيمَنْ نَامَ فِي بَيْتٍ فَجَاءَتْهُ زَوْجَتُهُ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَفِي امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ دَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا وَمَكَثَ سَاعَةً صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَفِي صَغِيرٍ ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِ نَائِمَةٍ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَفِيمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِيمَنْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ حَالَةَ الْقِيَامِ تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْقِرَاءَةُ فِي رِوَايَةٍ وَفِيمَنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ، وَهُوَ نَائِمٌ فَسَمِعَهُ رَجُلٌ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ وَفِيمَنْ قَرَأَ عِنْدَ نَائِمٍ آيَةَ السَّجْدَةِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ أَخْبَرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي قَوْلٍ وَفِيمَنْ قَرَأَهَا، وَهُوَ نَائِمٌ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ أُخْبِرَ يَلْزَمُ
ــ
[منحة الخالق]
فَسَارَ فَانْتَقَصَ انْتَقَضَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَمْ يَجُزْ أَدَاءُ فَرْضَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ حِينَئِذٍ بَلْ يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا فَلَا يُنَاسِبُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ) ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمٌ وَلَا مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَشْرُوطِ اسْتَلْزَمَهُ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي هَذَا الْبَحْثُ فِي كَلَامِهِ مَعَ زِيَادَةٍ وَقَدْ يُقَالُ مَا أَجَابَ بِهِ هَذَا الْفَاضِلُ يُفِيدُ أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ تَنْتَفِي مَشْرُوعِيَّةُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ الطَّهَارَةِ الْحَاصِلَةِ بِالتَّيَمُّمِ السَّابِقِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَأَثْبَتَ الْخِلَافُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية نَقْلًا عَنْ الْبُرْهَانِ تَبَعًا لِلْكَمَالِ إذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِجَوَازِهِ لِمُسْتَيْقِظٍ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِ الْمَارِّ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ غَفْلَتِهِ اهـ.
وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِقَوْلِهِ لَكِنْ رُبَّمَا يُفَرَّقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَلَّلُهُ الْيَقِظَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ فَجُعِلَ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا أَوْ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَالنَّائِمُ قَادِرٌ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) الْمَذْكُورُ هُنَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ