للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ يَرْجُوهُ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُوهُ لَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الِانْتِظَارِ احْتِمَالٌ وُجِدَ أَنَّ الْمَاءَ فَيُؤَدِّيهَا بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَجَاءٌ وَطَمَعٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْبِيرِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فِي الْمَفَازَةِ فَكَانَ التَّعْجِيلُ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطَيْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَتَعَقُّبُهُمْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الشَّارِحِينَ وَلَيْسَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا صَرِيحٌ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مَفْهُومٌ وَالصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ.

وَأَجَابَ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَنَّ الصَّرِيحَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَبًّا وَهَلْ يُؤَخِّرُ عِنْدَ الرَّجَاءِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ إلَى وَقْتِ الْجَوَازِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَأَصَحُّهَا الْأَوَّلُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْحَقُّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَا يَرْجُو فَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ أَيْ عَنْ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ أَوَّلُ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا

أَمَّا إذَا كَانَ يَرْجُو فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ هَذَا الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ إذَا كَانَ لَا يَرْجُو، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّعْجِيلِ الْفِعْلَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْجَوَازِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ وَلَمْ يَقُلْ يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ الْكَرْدَرِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ: وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَحْمِلَ اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ مَعَ الرَّجَاءِ إلَى آخِرِ النِّصْفِ الثَّانِي وَعَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ إلَى هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الرَّجَاءِ بَلْ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّجَاءِ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْفِرَ بِالْفَجْرِ فِي وَقْتٍ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ ثُمَّ لَوْ بَدَا لَهُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى رَيْبٌ يُؤَدِّي الثَّانِيَةَ بِالطَّهَارَةِ وَالتِّلَاوَةِ الْمَسْنُونَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَى تَيَقُّنٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ غَالِبِ ظَنِّهِ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِقْدَارُ مِيلٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَكِنْ يَخَافُ الْفَوْتَ لَا يَتَيَمَّمُ اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَخْ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي صَرَّحَ أَئِمَّتُنَا فِيهَا بِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ كُلُّهَا مُتَضَمِّنَةٌ فَضِيلَةً مِنْهَا تَأْخِيرُ الْفَجْرِ إلَى الْإِسْفَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَتَوْسِيعِ الْحَالِ عَلَى النَّائِمِ وَالضَّعِيفِ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا الْإِبْرَادُ فِي ظُهْرِ الصَّيْفِ لِمَا فِي التَّعْجِيلِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، فَإِنَّ الْحُرَّ يُؤْذِيهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَمِنْهَا تَأْخِيرُ الْعَصْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْسِعَةِ الْوَقْتِ لِصَلَاةِ النَّوَافِلِ وَمِنْهَا تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهَا وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ يُعَجِّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ فَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا مُصَرَّحٌ بِهَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي الْمُسَافِرِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا وَعَدَمُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُبَاحُ لَهُ السَّمَرُ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَأْخِيرِهِ فَضِيلَةٌ فَكَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ الْمُسَارَعَةَ إلَى الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الشُّرَّاحِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ فِيهِ حَصْرُ الْفَضِيلَةِ فِيهَا بَلْ هُوَ تَمْثِيلٌ لَهَا وَذِكْرٌ لِبَعْضِ أَفْرَادِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) حَاصِلُهُ تَحْقِيقُ أَنَّ غَيْرَ رَاجِي الْمَاءِ يُؤَخِّرُ أَيْضًا وَلَكِنْ إلَى أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْوَقْتِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ عَدَمِ تَأْخِيرِهِ أَصْلًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ كَالْفَجْرِ إلَى الْأَسْفَارِ وَظُهْرِ الصَّيْفِ وَالْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُقَيِّدْ اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ بِالرَّاجِي فَشَمَلَ غَيْرَهُ أَيْضًا لَكِنَّ الرَّاجِيَ يُؤَخِّرُ عَنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَغَيْرُهُ لَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ) ظَاهِرُ إتْيَانِهِ بِأَيِّ التَّفْسِيرِيَّةِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْ عِنْدَهُ لَا مِنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْمَعْهُودِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ التَّأْخِيرَ فَضِيلَةٌ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ الْمَعْهُودُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْخَفَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيُصَلِّي فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ وَالْمُسْتَحَبُّ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ مُشْتَرَكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>