للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ، وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا وَمَا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا، وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ أَوْ صُلِبَ أَوْ قُتِلَ وَصُلِبَ) بَيَانٌ لِأَحْوَالِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَرْبَعٌ الْأُولَى: لَوْ أُمْسِكَ بَعْدَمَا قَصَدَ قَطْعَ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا عَلَى أَحَدٍ وَحُكْمُهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَتُوبَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] فَالنَّفْيُ بِمَعْنَى الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَدْ عُهِدَ عُقُوبَةً فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّعْزِيرَ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرَ الْإِخَافَةِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي أَخْذِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا بِمَاذَا يَتَحَقَّقُ قَصْدُهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِوُقُوفِهِ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِخَافَةِ الْمَارِّينَ، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ حَقِيقَةً فَبِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ فَقَطْ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ عَائِدًا إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَكَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِخَافَةِ قَطْعٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالتَّوْبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْقَلْبِ لَكِنْ لِحُصُولِهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ فَصَحَّ أَنْ تَكُونَ غَايَةً لِلْحَبْسِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ النَّفْسَ وَحُكْمُهُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مَعْصُومًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَخَرَجَ مَالُ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نِصَابًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِهِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْزِيَةَ مُتَوَزِّعَةٌ عَلَى الْأَحْوَالِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ وَلَمَّا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَفْحَشَ مِنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا تَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَلِذَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَمَا قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا قِصَاصًا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِهِمْ وَأَشَارَ بِكَوْنِهِ حَدًّا إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَتْلِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ، وَالْآلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمُحَارَبَتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَيُقْتَلُ الْكُلُّ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ حَدًّا، الْقَاتِلُ وَالْمُعِينُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ أَحَدِهِمْ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُمْ بِسَيْفٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِهَا وَيَصِيرُ كَالْجَمَاعَةِ قَتَلُوا وَاحِدًا بِهِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ. اهـ.

الرَّابِعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ، وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَالْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَتْلِ وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الصَّلْبِ وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَنَعَ مُحَمَّدٌ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ كَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَالرَّجْمِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ، وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَيُصْلَبُ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَكُونُ بِالْإِضَافَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ وَيَكُونُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ) أَيْ لَهَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَذْكُورِ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ تَبِعَ فِيهِ الْعَيْنِيَّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ تَعَسُّفٌ بَلْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَدَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْإِخَافَةَ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْمَتْنِ وَعَلَى مَا ادَّعَاهُ الْعَيْنِيُّ لَا تَكُونُ الْإِخَافَةُ مِنْهُ أَصْلًا قَالَ وَلَمْ يَنْتَبِهْ فِي الْبَحْرِ إلَى هَذَا فَمَشَى مَعَ الْعَيْنِيِّ وَعَيَّنَ الشَّارِحُ الْبَحْرَ. اهـ.

وَأَجَابَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ الْإِخَافَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَتْلُ النَّفْسِ وَأَخْذُ الْمَالِ صَحَّ جَعْلُ الضَّمِيرِ رَاجِعًا إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ إشَارَةً إلَيْهِ إذْ مُجَرَّدُ الْإِخَافَةِ لَيْسَ مِنْ مَقْصُودِهِ

(قَوْلُهُ: فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ إنَّ التَّخْيِيرَ يُنَافِي مَا قَدْ ذَكَرَهُ آنِفًا أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>