للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا اخْتِيَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهَا كُفْرٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكْفِيرِ بِهَا وَلَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتَاوَى فَقَدْ تَرَكْتهَا عَمْدًا لِأَنَّ مَحَلَّهَا أُصُولُ الدِّينِ وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْمُحَقِّقُ فِي الْمُسَايَرَةِ.

(قَوْلُهُ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُرْتَدِّ) أَيْ يَعْرِضُهُ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ رَجَاءَ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّدَّةَ كَانَتْ بِاعْتِرَاضِ شُبْهَةٍ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُهُ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَى غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ تَكْرَارَ الْعَرْضِ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ (قَوْلُهُ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ الْعَرْضِ أَيْ فَإِنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَبْدَاهَا كُشِفَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْدَاءِ الْأَعْذَارِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُمْهَلُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بِدُونِ اسْتِمْهَالٍ بَلْ يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرْجُو إسْلَامَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا اُسْتُمْهِلَ فَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ الْوُجُوبُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُمْهِلَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ الِاسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَيَرَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رِدَّةٍ وَرِدَّةٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ الْأُولَى الرِّدَّةُ بِسَبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كُلُّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلْبِهِ كَانَ مُرْتَدًّا فَالسَّابُّ بِطَرِيقِ أَوْلَى ثُمَّ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَنَا فَلَا

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُهُ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ) أَيْ صِفَةَ الْعَرْضِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ قَوْلَهُ يُعْرَضُ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ مَمْنُوعٌ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فَقَطْ

(قَوْلُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كُلُّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ) قَالَ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَجَعْلِهِ إيَّاهُ مَتْنًا مَا نَصُّهُ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ وَبِهَذَا جَزَمَ شَيْخُنَا فِي فَوَائِدِهِ لَكِنْ سَمِعْت مِنْ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ الْبَزَّازِيُّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْبَزَّازِيَّ تَبِعَ صَاحِبَ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ فَإِنَّهُ عَزَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا نَقَلَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ.

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ أَفْلَاطُونَ زَادَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِمُعِينِ الْحُكَّامِ أَنَّهَا رِدَّةٌ حَيْثُ قَالَ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَا صُورَتُهُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَغَضَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِدَّةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ.

وَفِي النَّتْفِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ اهـ.

فَقَوْلُهُ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّنْ نَقَلَ أَنَّهَا رِدَّةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالشِّفَاءِ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْتَلُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْلِمِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ وَرَوَى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَكَى الطَّبَرِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ يُنْقِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَرِئَ مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْمِنَحِ.

لَكِنْ قَالَ بَعْدَمَا يَأْتِي عَنْ الْجَوْهَرَةِ فِي سَابِّ الشَّيْخَيْنِ أَقُولُ: يَقْوَى الْقَوْلُ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ الشَّرِيفَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ رِعَايَةً لِحَضْرَةِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ الْمَخْصُوصِ بِكَمَالِ الْفَضْلِ وَالْبَسَالَةِ اهـ.

وَفِيهِ كَلَامٌ تَعَرَّفْهُ وَقَدْ حَرَّرْت الْمَسْأَلَةَ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَرَاجِعْهَا ثُمَّ جَمَعْت فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّيْته تَنْبِيهَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ قَوْلَ الشِّفَاءِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ إلَخْ صَرِيحٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْ قَالَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لَكِنْ قَالُوا أَنَّهُ رِدَّةٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ كَمَا هُوَ حُكْمُ الرِّدَّةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْمَذْكُورِ فَائِدَةٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ عِنْدَنَا الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِلْحَنَفِيَّةِ إلَّا قَبُولَ التَّوْبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>