الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبِهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلَ تَحْمِيلِ بَعْضِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا غَلَبُوا عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ كَمَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَيْسَ نَقْضًا لِلْإِيمَانِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَرُدُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ السِّيَرِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السُّلْطَانُ مَنْ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُبَايَعَةِ أَشْرَافُهُمْ وَأَعْيَانُهُمْ وَالثَّانِي أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَإِنْ بَايَعَ النَّاسَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ سُلْطَانًا فَإِذَا صَارَ سُلْطَانًا بِالْمُبَايَعَةِ فَجَازَ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَزَلَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَا يُفِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ يَنْعَزِلُ اهـ.
وَقَيَّدَ بِغَلَبَتِهِمْ عَلَى بَلَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبَغْيِ مَا لَمْ يَتَغَلَّبُوا وَيَجْتَمِعُوا وَيَصِيرُ لَهُمْ مَنَعَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْإِمَامَ بِالْعَادِلِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةٌ.
(قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِمَا نَقَلَهُ خواهر زاده عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّا نَبْدَؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَؤُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُهُ فَإِنْ بَدْؤُهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ وَفِي الْبَدَائِعِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ دَعَاهُمْ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِهِمْ أَنْ يُجِيبَ وَلَا يَسَعُهُمْ التَّخَلُّفُ إذَا كَانَ لَهُ غِنًى وَقُدْرَةٌ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ وَمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الِاعْتِزَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَلُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدْعُهُ أَمَّا إذَا دَعَاهُ الْإِمَامُ فَالْإِجَابَةُ فَرْضٌ اهـ.
وَأَمَّا تَخَلُّفُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي تَرَدُّدٍ مِنْ حِلِّ الْقِتَالِ وَمَا رُوِيَ «إذَا الْتَقَى الْمُؤْمِنَانِ بِسُيُوفِهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبَةً كَمَا يُتَّفَقُ بَيْنَ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ أَوْ مَحَلَّتَيْنِ أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمَمْلَكَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أَجِيبُوا إنْ كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَلَوْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ رُهُونًا وَأَخَذُوا مِنَّا رُهُونًا ثُمَّ غَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُوا رُهُونَنَا لَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتُلَ رُهُونَهُمْ لِأَنَّ الرُّهُونَ صَارُوا آمِنِينَ فِي أَيْدِينَا وَشَرْطُ إبَاحَةِ دَمِهِمْ بَاطِلٌ وَلَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ إلَى أَنْ يَهْلَكَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ يَتُوبُوا وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ إذَا فَعَلُوا بِرُهُونِنَا لَا نَفْعَلُ بِرُهُونِهِمْ فَيُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أَجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَأُتْبِعَ مُوَلِّيَهُمْ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَا يُجْهَزُ عَلَى الْجَرِيحِ وَلَا يُتْبَعُ الْمُوَلَّى لِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِالْأَوَّلِ كَيْ لَا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَلِانْدِفَاعِ الشَّرِّ دُونَهُ فِي الثَّانِي وَالْفِئَةُ الطَّائِفَةُ وَالْجَمْعُ فُئُونٌ وَفِئَاتٌ وَجَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ كَمَنَعَ وَأَجْهَزَ ثَبَّتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ وَمَوْتٌ مُجْهَزٌ وَجَهِيزٌ سَرِيعٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَأُتْبِعَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَمُوَلِّيَهُمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَلَّى تَوْلِيَةً أَدْبَرَ كَتَوَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ أَسِرْهُمْ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِ وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْغَرَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ وَكُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ وَالْعُمْيَانِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute