أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَرْضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ التِّبْرَ كَالنَّقْدَيْنِ، رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمُرَادُهُ التِّبْرُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ خُلِقَتْ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ الثَّمَنِيَّةُ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهَا ثَمَنًا فَيَنْزِلُ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَتَكُونُ ثَمَنًا وَتَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ. اهـ.
فَيُحْمَلُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا إذَا جَرَى التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِ التِّبْرِ ثَمَنًا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَالتِّبْرُ مَا لَيْسَ بِمَضْرُوبٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَطْلَقَ الْفُلُوسَ وَأَرَادَ بِهَا الرَّائِجَةَ؛ لِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَأُلْحِقَتْ بِهَا قَالُوا هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يُصْطَلَحْ عَلَى ضِدِّهِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلِذَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ مَحْضَةٌ، وَكَذَا إنْ خَلَطَا، ثُمَّ اشْتَرَكَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ بِحِصَّةِ رِبْحِهِ وَوَضِيعَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ وَتَصِيرُ شَرِكَةَ عَقْدٍ إذَا كَانَ الْمَخْلُوطُ جِنْسًا وَاحِدًا، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ عَرْضًا مَحْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخَلَطَا لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتَتَمَكَّنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْمَالَ بِالْحَضْرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَقَدَا شَرِكَةَ عَنَانٍ بِالدَّنَانِيرِ وَرَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا غَائِبٌ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ دَفَعَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِيَشْتَرِيَ الشَّرِيكُ بِالْمَالَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالدَّفْعِ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا تَصِحُّ بِمَالٍ غَائِبٍ أَوْ دَيْنٍ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ حَاضِرًا مُفَاوَضَةً كَانَتْ أَوْ عَنَانًا وَأَرَادَ عِنْدَ عَقْدِ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ عَقْدِهَا تَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا أَوْ اشْتَرِ بِهَا وَبِعْ وَالْحَاصِلَ بَيْنَنَا أَنْصَافًا وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ حَاضِرًا وَقْتَ الشَّرِكَةِ فَبَرْهَنَ الْمَأْمُورُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْضَرَ الْمَالَ وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ. اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْرِضْنِي أَلْفًا أَتَّجِرُ بِهَا وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَنَا فَأَقْرَضَهُ أَلْفًا فَاتَّجَرَ بِهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ لَا شَرِكَةَ لِلْمُقْرِضِ فِيهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ اشْتَرِ بِهَا بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ لَنَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْنَا فَهَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرِكَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالْمَالِ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ فَعَلَى الْآمِرِ ضَمَانُ نِصْفِ الْمَالِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ كُلَّ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ صَحَّ) بَيَانٌ لِلْحِيلَةِ فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ فَإِنَّ فَسَادَهُ بِهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا، بَلْ لِلَازِمِ الْبَاطِلِ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لُزُومِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَالثَّانِي جَهَالَةُ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَكُونُ كُلُّ مَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالدَّفْعِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالدَّفْعِ بَعْدَ فَسَادِهَا بِالِافْتِرَاقِ بِلَا دَفْعٍ، وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ يُفِيدُ جَوَازَهَا مَوْقُوفًا عَلَى إحْضَارِ الْمَالِ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأَمَّلْ، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute