إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ اعْتِبَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ كَمَا لَا يَخْفَى حَتَّى فِي الْعَقِبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ أَوْ فِي أَعْلَى الْقَدَمِ أَوْ أَسْفَلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ جَازَ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَمْسَحُ حَتَّى يَبْدُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ اهـ.
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَشَى فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ مِنْ مُؤَخَّرِ الْخُفِّ بِإِزَاءِ الْعَقِبِ، فَإِنْ كَانَ يَبْدُو مِنْهُ أَكْثَرُ الْعَقِبِ مُنِعَ الْمَسْحُ، وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَفِي اعْتِبَارِ الْمُصَنِّفِ الْأَصَابِعَ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ رَدًّا لِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، فَإِنَّهُمَا قَالَا وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَ يَبْدُو ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَنَامِلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ اهـ.
وَصَحَّحَ مَا فِي الْكِتَابِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ وَالْقَدَمُ مِنْ الرِّجْلِ مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ لَدُنْ الرُّسْغِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَافِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْمَعُ فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) أَيْ وَيَجْمَعُ الْخُرُوقَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ لَا فِي خُفَّيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ قَدْرَ أُصْبُعَيْنِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ مَوْضِعَيْنِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ أُصْبُعٍ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْمِقْدَارُ الْوَاجِبُ عَلَى الْخُفِّ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِ أَصَابِعِ الْيَدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْخَرْقِ لَيْسَ بِمَسْحٍ عَلَى الْخُفِّ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا؛ فَلِأَنَّ الْخَرْقَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا جُعِلَ عَفْوًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ هُوَ فِيهِ لَكِنْ لَا بِحَيْثُ يَكُونُ مَا يَقَعُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ مَحْسُوبًا مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَفْوًا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ مَانِعًا مِنْ الْمَسْحِ حَرَجًا لَازِمًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا حَرَجَ فِي عَدَمِ احْتِسَابِ مَا يَقَعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْعُسْرِ فِي فِعْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ مَانِعًا مِنْ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ هُوَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِاحْتِسَابِ مَا يَقَعُ إلَيْهِ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَسْحِ وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِذْ امْتَنَعَ الْمَسْحُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِجَمْعِ الْخُرُوقِ الْمُتَفَرِّقَةِ امْتَنَعَ الْمَسْحُ عَلَى الْآخَرِ لِمَا عُرِفَ حَتَّى يَلْبَسَ مَكَانَ الْمُتَخَرِّقِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ
وَهَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ بَحْثًا عَلَيْهِ فَقَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا دَاعِيَ إلَى جَمْعِ الْخُرُوقِ، وَهُوَ اعْتِبَارُهَا كَأَنَّهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ لِمَنْعِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْخُفِّ بِامْتِنَاعِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِذَاتِ الِانْكِشَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْكِشَافٌ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْغَسْلُ فِي الْخَرْقِ الصَّغِيرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ عِنْدَ تَفَرُّقِهَا صَغِيرَةً كَقَدْرِ الْحِمَّصَةِ وَالْفُولَةِ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا مَعَ ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي اهـ.
وَقَدْ قَوَّاهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّ هَذِهِ الدِّرَايَةَ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَذْكُورَةٍ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ الْخَرْقَ سَوَاءٌ كَانَ فِي خُفٍّ أَوْ خُفَّيْنِ اهـ.
وَقَدْ رَأَيْت فِي التَّوْشِيحِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَجَعَلَ الْجَمْعَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الدِّرَايَةَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْخُرُوقَ الْمُتَعَدِّدَةَ فِي الْخُفِّ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ تَمْنَعُ مِنْ تَتَابُعِ الْمَشْيِ فِيهِ إذْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ الظَّاهِرِ وَمِمَّا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْخَرْقَ إنَّمَا مَنَعَ جَوَازَ الْمَسْحِ لِظُهُورِ مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ فَإِذَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي الْخُفَّيْنِ لَمْ يَظْهَرْ مِقْدَارُ فَرْضِ الْمَسْحِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ ظُهُورَ مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَنْعِ بَعْدَ إمْكَانِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهِ وَتَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ وَبَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ يَقَعُ فِيهِ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَسْحِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَقَلُّ الْخَرْقِ الَّذِي يُجْمَعُ
ــ
[منحة الخالق]
؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ حِينَئِذٍ اُعْتُبِرَ بِأَكْثَرِهِ وَاَلَّذِي حَمَلَ صَاحِبَ النَّهْرِ عَلَى مَا قَالَ اشْتِبَاهُ الْعَقِبِ بِالْقَدَمِ وَظَنُّهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَقِبِ كَمَا يَتَّضِحُ لِمَنْ رَاجَعَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: رَدٌّ لِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْمَنْعِ بِظُهُورِ الْأَنَامِلِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ رَكَاكَةٌ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الدِّرَايَةَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْمُحِيطِ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْبَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى الْجَمْعِ مُؤْذِنٌ بِتَرْجِيحِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْخَرْقَ مَانِعٌ مُطْلَقًا إذْ الْمَاسِحُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْخِفَافُ قَدْ لَا تَخْلُو عَنْ خَرْقٍ لَا سِيَّمَا خِفَافُ الْفُقَرَاءِ قُلْنَا إنَّ الصَّغِيرَ عَفْوٌ وَجَمَعْنَاهُ فِي وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْحَرَجِ بِخِلَافِ الِاثْنَيْنِ