للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْخِطَابُ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا يُخَاطِبُهَا بِالنِّكَاحِ فَلَمْ تُجِبْ فِي مَجْلِسِ الْخِطَابِ، ثُمَّ أَجَابَتْهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ وَفِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَهَا وَقَرَأَتْ الْكِتَابَ، وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ، ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ عِنْدَ الشُّهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا كَلَامَهَا وَمَا فِي الْكِتَابِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا صَارَ مُخَاطِبًا لَهَا بِالْكِتَابِ وَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي اهـ.

وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِعْنِي بِكَذَا، فَقَالَ بِعْتُ تَمَّ الْبَيْعُ، وَقَدْ طَعَنُوا فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْأَمْرِ مِنْ الْحَاضِرِ فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ مِنْ الْغَائِبِ وَأَجَابَ فِي الْمُعَرِّجِ بِأَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فِي شَرْطِ الشُّهُودِ لَا بَيَانُ اللَّفْظِ أَوْ يُقَالُ بِعْنِي مِنْ الْحَاضِرِ اسْتِيَامٌ، وَمِنْ الْغَائِبِ إيجَابٌ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الرِّسَالَةِ عَلِمَ الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اهـ.

وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ لَا يَصِحُّ عَزْلُ الرَّسُولِ بِدُونِ عَمَلِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَالْعَزْلِ.

(قَوْلُهُ وَبِتَعَاطٍ) أَيْ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ الرِّضَا، وَقَدْ وُجِدَ، وَقَدْ بَنَاهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ هُوَ الْمَعْنَى وَالْإِشَارَةُ إلَى الْعُقُودِ التَّمْلِيكِيَّةِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَخَرَجَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهِمَا يُقَامُ مَقَامَ الْمَعْنَى قَالَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى أَصْحَابِنَا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ لَمَّا تَوَقَّفَ عَلَى شُرُوطٍ لَا يَهْتَدِي إلَى اسْتِيفَائِهَا الْعَوَامُّ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِشُرُوطِهَا فَعَقَدُوهَا بِلَفْظٍ آخَرَ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ صَحَّ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ إقَامَةَ اللَّفْظِ مَقَامَ الْمَعْنَى أَثَرٌ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ لَيْسَ غَيْرَ فَإِذَا قَارَنَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ إلَّا إذَا أَرَادَهُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِعْت وَأَبِيعُ فِي تَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ بِهِ عَلَى النِّيَّةِ، وَلِذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ بِعْت هَزْلًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَلَا يَنْعَقِدُ الْمُسْتَقْبَلُ اهـ.

وَهَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إذَا وُجِدَ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فِيهِمَا، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لَهُمَا صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً، وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ عَشْرًا لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ خَاصَّةً لَا بُدَّ مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِعَارَةِ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَجَازًا، وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَاهَا.

وَكَذَا لَوْ قَالَ أَجَّرْتُك دَارِي شَهْرًا بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ عَارِيَّةً مَعَ أَنَّهُ أَتَى مَعْنَاهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك خِدْمَةَ عَبْدِك هَذَا شَهْرًا بِكَذَا، وَكَذَا فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الْمَعْنَى وَالْمَسَائِلُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مَا إذَا قَالَ أَعَرْتُك دَارِي شَهْرًا بِكَذَا فَهِيَ إجَارَةٌ، وَكَذَا وَهَبْتُك مَنَافِعَهَا شَهْرًا بِكَذَا اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى وَحَقِيقَةُ التَّعَاطِي وَضْعُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ فَتَقْتَضِي حُصُولَهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْحَلْوَانِيُّ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ إعْطَاءَ أَحَدِهِمَا كَافٍ وَنَصَّ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَثْبُتُ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ.

وَهَذَا يَنْتَظِمُ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ وَنَصُّهُ فِي الْجَامِعِ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَكْفِي لَا يَنْفِي الْآخَرَ وَاكْتَفَى الْكَرْمَانِيُّ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا صَارَ مُخَاطَبًا لَهَا بِالْكِتَابِ) الَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ خَاطِبًا مِنْ الْخِطْبَةِ وَتَمَامُ الْعِبَارَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي فَصَارَ بَقَاءُ الْكِتَابِ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَدْ سَمِعَ الشُّهُودُ مَا فِي الْكِتَابِ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَكَرَّرَ الْخِطَابُ مِنْ الْحَاضِرِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا، فَإِنَّمَا صَارَ خَاطِبًا لَهَا بِالْكَلَامِ وَمَا وُجِدَ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ لَا يَبْقَ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، فَإِنَّمَا سَمِعَ الشُّهُودُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي أَحَدَ شَطْرَيْ الْعَقْدِ، وَسَمَاعُ الشَّاهِدِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ شَرْطٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>