للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ رَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا مِنْ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ الْمُعْطَى قَالَ كَيْفَ تَبِيعُ اللَّحْمَ قَالَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ أَخَذْتُ فَزِنْ فَلَهُ أَنْ يَزِنَ وَلَا يَلْزَمُ، وَإِنْ وَزَنَ فَلَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَأْخُذَ، وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ جَعَلَهُ الْبَائِعُ فِي وِعَاءٍ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي تَمَّ الْبَيْعُ وَفِيهِ انْعِقَادُهُ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ جَانِبٍ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالتَّعَاطِي قِيلَ وَقِيلَ اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْوَزْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعًا فَوَزَنَ لَهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا، وَلَوْ بَيَّنَ لَهُ كَانَ بَيْعًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا عَلَى الْعَكْسِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ إلَى بَائِعِ حِنْطَةٍ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ حِنْطَةً، وَقَالَ لَهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا، فَقَالَ مِائَةٌ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ لِيَأْخُذَهَا، فَقَالَ الْبَائِعُ غَدًا أَدْفَعُ إلَيْك، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي فَجَاءَ غَدًا لِيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ وَقَدْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا بِالسِّعْرِ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَرْبَعَةُ مَسَائِلَ: أَحَدُهَا الِانْعِقَادُ بِالتَّعَاطِي. الثَّانِيَةُ الِانْعِقَادُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ الِانْعِقَادُ بِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. وَالرَّابِعَةُ كَمَا يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الْمَبِيعِ يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ اهـ.

قُلْتُ: وَفِيهَا مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْمُثَمَّنِ لِكَوْنِ دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى النِّصَابِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِ شَعِيرًا قَدْرًا مَعْلُومًا، وَقَالَ خُذْهُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ وَالسِّعْرُ لَهُمَا مَعْلُومٌ كَانَ بَيْعًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ فَلَا، وَمِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي تَسْلِيمُ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى إلَى مَنْ يَطْلُبُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَكَذَا تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بَعْدَمَا صَارَ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ وَأَنْكَرَ الْأَمْرَ، وَقَدْ اشْتَرَى لَهُ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَذَكَرَ مَسْأَلَتَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْخَيَّاطِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى بَيْعًا وَبَرْهَنَ بِشُهُودِ زُورٍ وَالْقَضَاءُ إذَا رَضِيَ الْآخَرُ بِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي، وَإِنْ قَالَا بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا يَقُولَا بِالِانْعِقَادِ بِالتَّعَاطِي بَعْدَهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَرِّحَ مَعَهُ بِعَدَمِ الرِّضَا فَلَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ الثَّمَنَ وَأَخَذَ صَاحِبُهَا الْبَطَاطِيخَ وَالْبَائِعُ يَقُولُ لَا أُعْطِيكهَا أَوْ حَلَفَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَأَيْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِكَوْنِهِ امْتِنَاعًا عَنْ إتْمَامِ الْعِلَّةِ لَا إبْطَالًا لَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْبَائِعِ أَحَدُ شَطْرَيْ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ كَانَ لِلْأَوَّلِ حُكْمُ السَّبَبِ وَلِلثَّانِي حُكْمُ الْعِلَّةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْقَبُولِ حُكْمُ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ إبْطَالُ الْإِيجَابِ بِالْقِيَامِ إبْطَالًا لِلْعِلَّةِ فَيَجُوزُ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ فَعَمِلَتْ الدَّلَالَةُ عَمَلَهَا مِنْ الْإِبْطَالِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهَا صَرِيحُ قَبُولٍ يَأْتِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهَا وَفِي الْمُجْتَبَى الْمَجْلِسُ الْمُتَّحِدُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَا عُقِدَ لَهُ الْمَجْلِسُ أَوْ مَا هُوَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْعَقْدِ أَطْلَقَ الْقِيَامَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالِانْتِقَالِ عَنْ الْمَجْلِسِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ جَمْعٌ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَقَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِالذَّهَابِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَامَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الْحَاوِي.

وَلَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَامَ لِحَاجَةٍ لَا مُعْرِضًا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اهـ.

فَعَلَى هَذَا الْقِيَامِ مُبْطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَأَشَارَ بِالْقِيَامِ إلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ يَتَبَدَّلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ كَالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالْأَكْلِ إلَّا إذَا كَانَ لُقْمَةً أَوْ شَرِبَ إلَّا إذَا كَانَ الْقَدَحُ فِي يَدِهِ فَشَرِبَ وَنَوْمٍ إلَّا النَّوْمَ جَالِسًا وَصَلَاةٍ إلَّا إتْمَامَ فَرِيضَةٍ أَوْ إتْمَامَ شَفْعٍ نَفْلًا فَلَوْ أَتَمَّهُ أَرْبَعًا بَطَلَ وَكَلَامٍ، وَلَوْ لِحَاجَةٍ، وَمِنْهُ إيجَابٌ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَإِذَا قَبِلَا كَانَ لِلثَّانِي لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ مَشَى إلَّا خُطْوَةً وَخُطْوَتَيْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ) قَالَ فِيمَا دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي الْبَطَاطِيخَ الْمُعَيَّنَةَ فَأَخَذَهَا وَيَقُولُ لَا أُعْطِيهَا بِهَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ الْبَطَاطِيخَ فَلَمْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَعْلَمُ عَادَةَ السُّوقَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذْ الَمْ يَرْضَ يَرُدُّ الثَّمَنَ أَوْ يَسْتَرِدُّ الْمَتَاعَ وَإِلَّا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ وَيَصِيحُ خَلْفَهُ لَا أُعْطِيهَا تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ مَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِثْلُهُ اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>