للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصْفِ الْمَبِيعِ لَيْسَتْ شَرْطًا بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي مَبِيعٍ أُشِيرَ إلَيْهِ وَهُوَ مَسْتُورٌ وَلَكِنْ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضَمَّ الثَّمَنُ إلَيْهِ، فَإِنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَثْمَانِ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَصْفِهِ كَحِنْطَةٍ مُطْلَقَةٍ وَهُوَ مُرَادُ الْمُحَقِّقِ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مُعَلِّلًا لِلْفَتْوَى بِأَنَّهَا مِنْهُ خِلْقَةً وَيُرَدُّ عَلَى الْمُحَقِّق لَوْ قَالَ بِعْتُك بِعَشَرَةٍ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَصْفًا، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ يَعْنِي وَيَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بُخَارِيَّةٌ أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةٌ فَبَيَانٌ لِلنَّوْعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّقْيِيدُ بِمِقْدَارِهَا فِي قَوْلِهِ لَا يَحْتَاجُ احْتِرَازٌ عَنْ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ اشْتَرَيْته بِهَذِهِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الدَّرَاهِمِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ، وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَسَدَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ أَتْلَفَهَا.

وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا بِهَذِهِ الصُّرَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَا فِيهَا خِلَافَ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ وَجَدَهَا نَقْدَ الْبَلَدِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ بِمَا فِي هَذِهِ الْخَابِيَةِ، ثُمَّ رَأَى الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَتْ نَقْدَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الصُّرَّةَ يُعْرَفُ مِقْدَارُ مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجِهَا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارَ الْكَمِّيَّةِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي النُّقُودِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِقْدَارِ اتِّفَاقِيٌّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَمْرٌ آخَرُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الصِّحَّةِ لَا لِلُزُومٍ وَلِأَنَّهُ مَعَ الْإِشَارَةِ إذَا كَانَ لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَصْفِ بِالْأَوْلَى وَالْمَعْرِفَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ عَرَفْته عَلِمْته بِحَاسَّةٍ مِنْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ عِرْفَةً وَعِرْفَانًا وَالْمَعْرِفَةُ

ــ

[منحة الخالق]

الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهَا فَضْلٌ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا أَرْوَجُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَصْفِهِ) الَّذِي تَحْصُلُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا وَأَوَّلُ الْمَقُولَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ الْغَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا نَفِيسَ الْمَتْجَرِ بِشِرَاءِ الدُّرَرِ حَقَّقَ فِيهَا أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ الْمَبِيعِ الَّذِي سُمِّيَ جِنْسُهُ، وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ لَا تَمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ لَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ عُلِمَ بِالْإِشَارَةِ وَالْغَائِبُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَانْتَفَتْ الْجَهَالَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الصِّحَّةِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ قَدْرِهِ وَلَا بَيَانِ وَصْفِهِ لِصِحَّةِ بَيْعِهِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ فِي بَابِ الرُّؤْيَةِ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ أَيْ صَحِيحٌ وَجَهَالَتُهُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ أَوْ الْقَدْرِ فِي الْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ سُمِّيَ جِنْسُ الْمَبِيعِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورًا، وَلَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ غَيْرِ مُشَارٍ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي قَدْرِ بَدَلٍ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَنُ أَوْ بِدُونِ تَنْوِينٍ عَلَى نِيَّةِ إضَافَتِهِ لِلثَّمَنِ الْمَذْكُورِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ بِعْتُهُ بِنِصْفِ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ وَبِمِثْلِ هَذَا شَرَحَهُ مُنْلَا مِسْكِينٌ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فَرَاجِعْهَا.

قُلْتُ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْجِنْسِ وَحْدَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي، نَحْوُ بِعْتُك حِنْطَةً بِدِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَذْكُرْ لَهَا قَدْرًا وَيَلْزَمُ صِحَّتُهُ أَيْضًا فِي نَحْوِ بِعْتُك عَبْدًا أَوْ دَارًا.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ أَنَّ الْجَهَالَةَ بِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَدْ يَبْطُلُ قَبْلَهَا بِنَحْوِ بَيْعٍ وَرَهْنٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ عَلَى حَالِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ حَتَّى يَصِحَّ الْبَيْعُ، ثُمَّ بَعْدَ صِحَّتِهِ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ انْتَفَتْ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبَقِيَ نَوْعُ جَهَالَةٍ تَنْدَفِعُ بِالرُّؤْيَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدْرِ مَا يُخَصِّصُ الْمَبِيع، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا) فِي الظَّهِيرِيَّةِ الدَّرَاهِمُ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ: جِيَادٌ وَنَبَهْرَجَةٌ وَزُيُوفٌ وَسَتُّوقَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النَّبَهْرَجَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالزُّيُوفُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ وَالسَّتُّوقَةُ صُفْرٌ سَمَّوْهُ بِالْفِضَّةِ، وَقَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْجِيَادُ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ تَرُوجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَكِنْ تَأْخُذُهُ التُّجَّارُ فِي التِّجَارَاتِ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ بِهَا لَكِنْ يُبَيِّنُ الْبَائِعُ أَنَّهَا زُيُوفٌ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُجُّهُ التُّجَّارُ أَيْ رَدَّهُ، وَالسَّتُّوقَةُ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ سَمَّتْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّاقُ الْأَعْلَى فِضَّةً وَالْأَسْفَلُ كَذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا صُفْرٌ وَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ، كَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>