جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا وَيَجِبُ قَطْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدٌ سَابِقًا؛ لِأَنَّهُ بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالَ تَحْمَارُّ أَوْ تَصْفَارُّ» .
وَأَجَابَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الظُّهُورِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ التَّرْكِ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوا ظَاهِرَهُ فَأَجَازُوا الْبَيْعَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَهِيَ مُعَارَضَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَنْطُوقِهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ مَتْرُوكٌ الظَّاهِرُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَهُوَ عِنْدَهُمْ تَعْلِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فِيمَا يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا مُدْرِكَةً قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ النَّاسَ يَبِيعُونَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ فَنَهَى عَنْ هَذَا الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فَصَارَ مَحَلُّ النَّهْيِ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلنَّهْيِ، وَإِذَا صَارَ مَحَلُّهُ بَيْعَهَا بِشَرْطِ تَرْكِهَا إلَى أَنْ تَصْلُحَ فَقَدْ قَضَيْنَا عُهْدَةَ هَذَا النَّهْي، فَإِنَّا قَدْ قُلْنَا بِفَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ فَبَقِيَ بَيْعُهَا مُطْلَقًا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِلنَّهْيِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَى آخِرِ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَمَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى السَّلَمِ وَظُهُورُ الصَّلَاحِ عِنْدَنَا أَنْ يَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ظُهُورُ النَّضْحِ وَبُدُوُّ الْحَلَاوَةِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَهُ اشْتَرَكَا لِلِاخْتِلَاطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ.
وَكَذَا فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ خُرُوجُ بَعْضِهَا اشْتَرَكَا وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِجَوَازِهِ فِي الْكُلِّ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ وَكَانَ يَقُولُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَصْلٌ وَمَا يَحْدُثُ تَبَعٌ لَهُ نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ عَنْهُ بِكَوْنِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَكُونُ أَكْثَرَ بَلْ قَالَ عَنْهُ اجْعَلْ الْمَوْجُودَ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا، وَقَالَ اُسْتُحْسِنَ فِيهِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوا بَيْعَ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَاتِهِمْ حَرَجٌ، وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذَا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ، فَإِنَّ الْوَرْدَ مُتَلَاحِقٌ، ثُمَّ جَوَّزَ الْمَبِيعَ فِي الْكُلِّ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمُخَلِّصُ مِنْ هَذِهِ اللَّوَازِمِ الصَّعْبَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أُصُولَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالرَّطْبَةِ لِيَكُونَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَعْلَمُ غَايَةَ الْإِدْرَاكِ وَانْقِضَاءَ الْغَرَضِ فِيهَا بِبَاقِي الثَّمَنِ وَفِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْإِذْنِ فِي تَرْكِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ كَانَ مَأْذُونًا فِي التَّرْكِ بِإِذْنٍ جَدِيدٍ فَيَحِلُّ لَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْأَصَحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْمَعْدُومِ وَهُوَ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُقَدِّمُ بَيْعَ الْأَشْجَارِ وَيُؤَخِّرُ الْإِجَارَةَ، فَإِنْ قَدَّمَ الْإِجَارَةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِأَشْجَارِ الْأَجْرِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَشْجَارَ بَعْدَ أُصُولِهَا لِهَذَا، وَلَوْ بَاعَ أَشْجَارَ الْبِطِّيخِ وَأَعَارَ الْأَرْضَ يَجُوزُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَكُونُ لَازِمَةً وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَهَا اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ اشْتَرَى التَّمْرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ فَجَذُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْجَزَرَ فَقَلْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ.
وَتَسْلِيمُ الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَفِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَهُ اشْتَرَكَا لِلِاخْتِلَاطِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ التَّرْكَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ فَمَتَى يَشْتَرِكَانِ قُلْتُ: مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ كَمَا مَرَّ وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ إنَّ الْعَيْنَ الزَّائِدَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بَيْعٌ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى بَعْضِ طَلَبَةِ الدَّرْسِ إلَى أَنَّ بَيَّنْتُهُ لَهُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ بِبَاقِي الثَّمَنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَيَسْتَأْجِرُ. (قَوْلُهُ وَفِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: كَتَبْت فِي لَطَائِفِ الْإِشَارَاتِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي صَحَّ وَقِيلَ لَا فَإِذَا صَحَّ يَبْطُلُ الْعَزْلُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ فِي عَزْلِهِ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ فَجَذُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute