مَسْأَلَةِ بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ أَفْسَدَ الْبَيْعَ بِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي اسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا عَلَى الْأَشْجَارِ، وَإِنْ لَمْ تُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مُبْطِلَةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا لَا يُفْضِي إلَيْهَا يَصِحُّ مَعَهَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَ عَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحِّحًا.
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَرُ مُنْتَفَعًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُصِيبُهُ آفَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَدْرُ الْمُسْتَثْنَى فَيَتَطَرَّقُ فِيهِ الضَّرَرُ اهـ.
وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا، فَإِنَّ اسْتَثْنَى جُزْءًا كَرُبْعٍ وَثُلُثٍ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مِنْهَا أَيْ مِنْ الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْذُوذًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا جَازَ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِالْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى رِطْلًا وَاحِدًا جَازَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْإِيرَادُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَهُوَ أَنَّ الْإِيصَاءَ بِالْخِدْمَةِ مُنْفَرِدَةً جَائِزٌ وَاسْتِثْنَاؤُهَا لَا، وَكَذَلِكَ الْغَلَّةُ.
وَنَذْكُرُ جَوَابَهُ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةً بِمِائَةٍ إلَّا عُشْرَهَا فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ عُشْرَهَا لِي فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِيهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذِهِ الْمِائَةَ شَاةٍ بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لِي أَوْ وَلِي هَذِهِ فَسَدَ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذِهِ كَانَ مَا بَقِيَ بِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ وَلِي نِصْفُهَا كَانَ النِّصْفُ بِخَمْسِينَ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ جَازَ فِي كُلِّهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالنِّصْفُ الْمُسْتَثْنَى عَيْنُ بَيْعِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ فَسَدَ لِإِدْخَالِ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدْنَا بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الثِّمَارِ أَوْ الصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى شَاةً مِنْ قَطِيعٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ ثَوْبًا مِنْ عَدْلِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَثْنَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ جَازَ. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَفِيهَا أَبِيعُك دَارًا عَلَى أَنَّ لِي طَرِيقًا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بَابِ الدَّارِ يَكُونُ فَاسِدًا، وَكَذَا لَوْ شُرِطَ الطَّرِيقُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَبَيَّنَ مَوْضِعَهُ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ كَانَ فَاسِدًا، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذِهِ الدَّارَ إلَّا طَرِيقًا مِنْهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بَابِ الدَّارِ وَوَصَفَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ جَازَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الطَّرِيقِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَيَكُونُ جَمِيعُ الثَّمَنِ يُقَابِلُهُ غَيْرُ الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ الثَّمَنَ مُقَابَلًا بِجَمِيعِ الدَّارِ فَإِذَا شَرَطَ مِنْهَا طَرِيقًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ يُسْقِطُ حِصَّتهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك دَارِي هَذِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي هَذَا الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ جَازَ الْبَيْعُ.
وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ إلَّا بِنَاءَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَلَا يَدْخُلُ الْبِنَاءُ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا إلَّا هَذِهِ الشَّجَرَةَ بِعَيْنِهَا بِقَرَارِهَا جَازَ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَدَلِّي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِقْدَارُ غِلَظِ الشَّجَرَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ.
رَجُلَانِ اشْتَرَيَا سَيْفًا وَتَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحِلْيَةُ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ النَّصْلُ كَانَ السَّيْفُ الْمُحَلَّى بَيْنَهُمَا وَالْخَاتَمُ مَعَ الْفَصِّ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَيَا دَارًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضَ وَلِلْآخَرِ الْبِنَاءَ جَازَ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَيَا بَعِيرًا وَتَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا رَأْسُهُ وَجِلْدُهُ وَقَوَائِمُهُ وَلِلْآخَرِ بَدَنُهُ تَوَاضَعَا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَائِعُ شَيْئًا فَالْكُلُّ لِصَاحِبِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ أَصْلٌ وَغَيْرَهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ، وَلَوْ تَوَاضَعَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا إلَخْ) وَجْهُ كَوْنِ الْأَرْطَالِ الْمَعْلُومَةِ مُعَيَّنَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّطْلِ مَا يَكُونُ قَدْرُهُ فِي الْوَزْنِ مِنْ الثَّمَرَةِ لَا الْقِطْعَةِ الَّتِي هِيَ آلَةُ الْوَزْنِ وَمَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ وَيُقَدَّرُ بِالرِّطْلِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ لَيْسَ جَزَاءً شَائِعًا فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الرُّبْعِ وَالثُّلُثِ مَثَلًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَيَفْسُدُ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ دَارٍ لَا أَسْهُمٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَبْلُغُ قَدْرًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ أَوْ عَشَرَةً مَثَلًا بِحَيْثُ يَكُونُ الْبَاقِي أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَأَمُّلٌ وَفِي الْفَتْحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ قَوْلُهُ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَوَصْفَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأَمَةً عَلَى أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي إلَى آخِرِهِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ وَصْفِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَيَكُونُ طَرِيقُهُ عَرْضَ بَابِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ.