للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارَتْ الرُّؤْيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَمَا اشْتَرَاهُ الْأَعْمَى وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا وَلَمْ يَرَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ وَإِنْ قَالَ رَضِيتُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا لِلْمَعْنَى لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا وَأَوْرَدَ طَلَبَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَهُوَ لَازِمٌ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَالْجَوَابُ أَنَّ لِلْفَسْخِ سَبَبًا آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ وَمَا كَانَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا سَبَبٌ آخَرُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ وَمَنَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَبْلَهَا غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ نَقُولُ إنَّهُ بَاتٌّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ عِنْدَهَا فَقَبْلَهَا يَثْبُتُ حُكْمُ السَّبَبِ وَهُوَ اللُّزُومُ اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ اللَّازِمَ مَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ وَهَذَا يَقْبَلُهُ إذَا رَآهُ وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ قَبْلَهَا وَقِيلَ يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْفَسْخَ كَمَا يُمْلَكُ بِالْخِيَارِ يُمْلَكُ بِسَبَبِ عَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ ثَابِتٌ بِسَبَبِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ أَوْ مُؤَقَّتٌ فَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَهَا حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَقِيلَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَالْعِبْرَةُ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِسَبَبِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَإِذَا رَآهُ حَدَثَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ بَعْدَ لُزُومِهِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ وَلَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُسَبَّبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ إلَّا بِعِلْمِ الْبَائِعِ وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَلَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ رَضِيتُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ثُمَّ رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ فِيهِ الْعَيْبُ وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْعِلْمِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَافْتَرَقَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَلِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مُبْطِلُهُ وَإِنْ قَالَ رَضِيتُ قَبْلَهَا لَمْ يَقُلْ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهَا وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ اهـ.

وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَقَالُوا إنَّهُ رَضِيَ بِجَمِيعِ عُيُوبِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَاطِنِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ فَجَازَ تَحَقُّقُ الرِّضَا قَبْلَ الْعِلْمِ وَالرُّؤْيَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَا يَثْبُتَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى رِوَايَةَ مَاءٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَاءِ أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَهُ رَدُّ الْمَاءِ بَعْدَ صَبِّهِ فِي الْجُبِّ حَيْثُ لَمْ يَرَهُ قَبْلَهُ أَيْ الزِّيرِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي امْتَنَعَ رَدُّهُ إلَّا إذَا حَمَلَهُ إلَيْهِ وَفِي حِيلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ ضَيْعَةً وَلَمْ يَرَهَا الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ بِثَوْبٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ يَبِيعَ الثَّوْبَ مَعَ الضَّيْعَةِ ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوْبَ الْمُقَرَّ بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَدْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ وَرُوِيَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَا يُذَاقُ لَوْ اشْتَرَاهُ لَيْلًا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ إلَّا بِرُؤْيَتِهِ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ شَاكٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهَارَ فِيمَا يُذَاقُ كَاللَّيْلِ أَيْضًا فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِذَوْقِهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ لَيْلًا لَكَانَ أَوْلَى اهـ.

قُلْتُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ مُجَرَّدَ الذَّوْقِ فِيمَا يُذَاقُ إذَا حَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ يَكْفِي وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ رُؤْيَةٌ وَيُفْهَمُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ إذَا ذَاقَهُ نَهَارًا وَهُوَ يَرَاهُ كَفِي (قَوْلُهُ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا لِلْمَعْنَى) أَيْ أَنَّ حَقَّهُ التَّأْنِيثُ لِعَوْدِهِ إلَى الرُّؤْيَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إلَخْ) مَا بَنَى عَلَيْهِ الْمَنْعَ مِنْ أَنَّهُ بَاتٌّ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ تَعَقَّبَ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ فَهُوَ مَلْزُومُ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا فَكَذَا مَلْزُومُهُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ لِلَّازِمِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْمَلْزُومِ. اهـ.

وَأَجَابَ عَنْ هَذَا التَّعَقُّبِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ لِلْخِيَارِ بَلْ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ مُنْبَرِمًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ عَدَمَ الِانْبِرَامِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُجُودِهِ بِدُونِهَا وَقَوْلُهُ وَالْخِيَارُ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يُوجَدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِسَبَبٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِالرَّدِّ أَلْيَقُ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَيْثُ عَلَّقَ إثْبَاتَ قُدْرَةِ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِالرُّؤْيَةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِلُزُومِهِ قَبْلَهُ اهـ.

وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِمَا مَرَّ عَنْ الْحَوَاشِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَلَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الْعَيْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>