وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ بَيْعَهُ تَبَعًا لِلْكُوَّارَةِ فِيهَا عَسَلٌ جَائِزٌ، وَأَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ إنَّمَا يَدْخُلُ الشَّيْءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحُقُوقِ كَالْمَفَاتِيحِ فَالْعَسَلُ تَابِعٌ لِلنَّحْلِ فِي الْمَوْجُودِ، وَالنَّحْلُ تَابِعٌ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ، وَالْكُوَّارَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ، وَفِي التَّهْذِيبِ كُوَّارَةُ النَّحْلِ مُخَفَّفَةٌ، وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ تَشْدِيدٍ، وَقَيَّدَ الزَّمَخْشَرِيّ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَفِي الْغَرِيبَيْنِ بِالضَّمِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ كُوَّارَةُ النَّحْلِ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفُ، وَالتَّثْقِيلُ لُغَةٌ عَسَلُهَا فِي الشَّمْعِ، وَقِيلَ بَيْتُهَا إذَا كَانَ فِيهِ الْعَسَلُ، وَقِيلَ هُوَ الْخَلِيَّةُ، وَكَسْرُ الْكَافِ مَعَ التَّخْفِيفِ لُغَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ وَيُبَاعُ دُودُ الْقَزِّ وَبَيْضُهُ) أَمَّا الدُّودُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَأَمَّا بَيْضُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الدُّودِ، وَالْبَيْضِ لِكَوْنِهِ الْمُفْتَى بِهِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَيْضًا فِي بَيْعِ النَّحْلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ فَلِمَ اخْتَارَ قَوْلَهُ فِي الدُّودِ دُونَ النَّحْلِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْقَزُّ مُعَرَّبٌ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ.
وَأَمَّا الْخَزُّ فَاسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا، وَالْجَمْعُ خِزَّانٌ مِثْلُ صُرَدٍ وَصِرْدَانٍ مِنْهُ أَيْضًا قَيَّدَ بِالنَّحْلِ وَالدُّودِ لِأَنَّ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْبَحْرِ إلَّا السَّمَكَ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَفَرَسِ الْبَحْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الْعَلَقَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَرْعَلٌ يَجُوزُ، بِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ
لِحَاجَةِ
النَّاسِ إلَيْهِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ لَهُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعَلَقُ شَيْءٌ أَسْوَدُ شَبِيهُ الدُّودِ يَكُونُ فِي الْمَاءِ يَعْلَقُ بِأَفْوَاهِ الْإِبِلِ عِنْدَ الشُّرْبِ اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدُّودُ، وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا، وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ امْرَأَةٌ أَعْطَتْ امْرَأَةً بِزْرَ الْقَزِّ، وَهُوَ بِزْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَلِيقُ لِصَاحِبَةِ الْبِزْرِ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ بِزْرِهَا، وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبِزْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ، وَأَجْرُ مِثْلِهَا، وَمِثْلُهُ إذَا دَفَعَ بَقَرَةً إلَى آخَرَ يَعْلِفُهَا لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ، وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ ثَمَنُ الْعَلَفِ، وَأَجْرُ مِثْلِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَحَلُّهَا كِتَابُ الْإِجَارَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ بَيْعَ الْحَمَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَالْحَمَامُ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا، وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بُرْجَ حَمَامٍ مَعَ الْحَمَامِ فَإِنْ بَاعَ لَيْلًا جَازَ لِأَنَّ فِي اللَّيْلِ يَكُونُ الْحَمَامُ بِجُمْلَتِهِ دَاخِلَ الْبُرْجِ، وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ الِاحْتِيَالِ فَيَكُونُ بَائِعًا مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَفِي النَّهَارِ يَكُونُ بَعْضُهُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِالِاحْتِيَالِ فَلَا يَجُوزُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْآبِقُ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْآبِقِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[منحة الخالق]
وُضِعَتْ لِلْإِحْرَازِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الْمُؤَجِّرُ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّحْلِ وَالدُّودِ حَيْثُ أَجَازَ بَيْعَهُ تَبَعًا دُونَ الدُّودِ، وَلَا إشْكَالَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي النَّحْلِ تَبَعًا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمَا) اسْتَبْعَدَهُ فِي النَّهْرِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ، وَكَأَنَّهُ لِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ فِي النَّحْلِ، وَكَذَا اسْتَبْعَدَهُ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ رُبَّمَا قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلُ اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا فِي النَّحْلِ، وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِفَارِقٍ يَلُوحُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَيْلًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَهَارًا لِأَنَّهُ يَكُونُ مُجْتَمِعًا حَالَةَ اللَّيْلِ مُتَفَرِّقًا حَالَةَ النَّهَارِ فِي الْمَرَاعِي.
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الْعَلَفَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي بَيْعِ الدُّودَةِ، وَهِيَ الْقِرْمِزُ الَّتِي يُصْبَغُ بِهَا بِنَاءً عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أَصْلَهَا دُودٌ لَهُ رُوحٌ يُخْنَقُ بِالْكِلْسِ، وَبِالْخَلِّ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْجَوَازُ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ
الِاحْتِيَاجِ
بَيْنَ النَّاسِ، وَلَهَا مَدَاخِلُ كَثِيرَةٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ، وَهِيَ مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ السِّرْقِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ لَيْلًا جَازَ إلَخْ) أَلْغَزَ فِيهِ الشَّيْخُ رَمَضَانُ الْعُطَيْفِيُّ فَقَالَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْمَكْتُوبَةِ بِخَطِّهِ:
يَا إمَامًا فِي فِقْهِ نُعْمَانَ أَضْحَى ... حَائِزًا لِسَبْقٍ مُفْرَدًا لَا يُجَارَى
أَيُّ بَيْتٍ يَجُوزُ بَيْعُك إيَّا ... هـ بِلَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ نَهَارًا
اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَالطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ إنَّهُ إذَا عَلِمَ عَوْدَهُ، وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ يَجُوزُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ فَرَاجِعْهُ.