وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْهُ أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَتَصْرِيحِهِ بِالضَّمِّ فِي بَابِهَا، وَلَمْ أَرَ لَهُ سَلَفًا، وَلَا مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ كُنْت قَدِيمًا فِي ابْتِدَاءِ اشْتِغَالِي حَمَلْت كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَلَامَهُمْ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْجَمِيعِ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ تَحْصِيلِ رَأْسِ الْمَالِ اهـ.
فَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَاشْتَرَى بِنِصْفِهَا عَبْدًا وَبَاعَهُ بِأَلْفٍ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ لِعَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لِاحْتِمَالِ هَلَاك الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ حَتَّى يَضُمَّ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفِ وَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَتُضَمُّ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إلَى الْمَالِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ.
قَوْلُهُ (وَيُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ، وَوَطْءِ الثَّيِّبِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْبَسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِلَا بَيَانٍ، وَمُرَادُهُ بِلَا بَيَانِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ أَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ الْقَائِمِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ غَاشًّا لَهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَفِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ
ــ
[منحة الخالق]
رِوَايَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا وَفِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ يَضُمُّ يَعْنِي الْمُضَارِبُ حِصَّتَهُ هُنَا أَيْضًا فَمُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الرِّوَايَةِ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي الْمُضَارَبَة اهـ أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى رِوَايَةٍ كَمَا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِصَرِيحِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا، وَكَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْرُجُ عَنْ بَعْضِ وُجُوهِ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بِرُمَّتِهِ لِيَتَّضِحَ الْحَالُ وَيَزُولَ الْإِشْكَالُ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَة عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً بِمَا اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بَعْدَمَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبِحَ فِيهَا أَلْفًا فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَضْلٌ دُونَ الثَّمَنِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الثَّمَنِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَقْسَامٍ قِسْمَانِ لَا يُرَابِحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ، وَهُمَا إذَا كَانَ لَا فَضْلَ فِيهِمَا أَوْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ، وَقِسْمَانِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَوْ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ،.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَضْلٌ فِيهِمَا بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى مِنْهَا الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ كَالْأَوَّلِ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا فَضْلٌ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ، الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ، وَهُوَ كَالثَّالِثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا، وَقَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ فَلَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ، وَقَدْ اشْتَبَهَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى زَعَمُوا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ تَنَاقُضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِهَذَا صَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ بِأَنَّ مَعَهُ عَشَرَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ قَالُوا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ اهـ. كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَلَامِ السِّرَاجِ هُنَا وَلَا هُنَاكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ بِقَوْلِهِ لَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ سِلْعَةً إلَخْ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute