بِالثَّمَنِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مَعْرُوفًا، وَإِنَّمَا أَجَّلَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ طَالَبَهُ الطَّالِبُ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ اذْهَبْ وَأَعْطِنِي كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً لَمْ يَكُنْ تَأْجِيلًا، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ حَالًّا اهـ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ أَتْلَفَ فَعَلِمَ لَزِمَ بِأَلْفٍ دِرْهَمٌ وَمِائَةٌ) أَيْ إنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي حَالًّا ثُمَّ عَلِمَ بِالْأَجَلِ لَزِمَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ حَالًّا لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَنَاقَضَ لِأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ قِيَامِ الْمَبِيعِ إنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ بِالْأَجَلِ، وَعِنْدَ هَلَاكِهِ قَالَ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَجَلَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ حَقِيقَةً إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ زِيَادَةُ الثَّمَنِ بِمُقَابِلَتِهِ قَصْدًا، وَيُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجَلِهِ إذَا ذَكَرَ الْأَجَلَ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ قَصْدًا فَاعْتُبِرَ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَالًا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِتْلَافِ هَلَاكُ الْمَبِيعِ إمَّا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِاسْتِهْلَاكِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّلَفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفْهَمَ الْإِتْلَافُ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ (وَكَذَا التَّوْلِيَةُ) أَيْ هِيَ مِثْلُ الْمُرَابَحَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِيَارِ عِنْدَ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ حَالَ هَلَاكِهِ لِابْتِنَائِهِمَا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ قَوْلُهُ وَكَذَا التَّوْلِيَةُ إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ لِلْمُرَابَحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فِي التَّوْلِيَةِ أَيْضًا فِي التَّعْيِيبِ وَوَطْءِ الْبِكْرِ، وَبِدُونِهِ فِي التَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الثَّيِّبِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الرُّجُوعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ (وَلَوْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ وَلَّاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَالْمُرَابَحَةُ فِيهِمَا كَالتَّوْلِيَةِ قَوْلُهُ (وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ) أَيْ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، قَيِّدَ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْهُ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا بِعَرْضِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي حُرْمَةِ مُبَاشَرَتِهِ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَحْرُمُ، وَعَلَى الضَّعِيفِ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا خِيَارَ الْغَبْنِ فَنَتَّبِعُهُ فَأَقُولُ: مَعْنَى الْغَبْنِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ غَبْنًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ مِثْلُ غَبَنَهُ فَانْغَبْنَ وَغَبَنَهُ أَيْ نَقَصَهُ، وَغُبِنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْغَبِينَةُ اسْمٌ مِنْهُ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، وَغُبِنَ فِيهِ غَبْنًا فَاحِشًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْغَبْنِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَيُفْتَى بِالرَّدِّ رِفْقًا بِالنَّاسِ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ وَقَعَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ذَكَرَ الْجَصَّاصُ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الزَّرَنْجَرِيِّ وَالْقَاضِي الْجَلَالِ، وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَالِاسْتِرْدَادُ، وَهُوَ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ إنْ غَرَّ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ، وَكَذَا إنْ غَرَّ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ كَذَا فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَقَلُّ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَلَا.
وَبِهِ أَفْتَى صَدْرُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ وَلَوْ لَمْ يَغُرَّهُ الْبَائِعُ، وَلَكِنْ غَرَّهُ الدَّلَّالُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ اشْتَرَى فَيْلَقَ الْإِبْرَيْسَمِ خَارِجَ الْبَلَدِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِسِعْرِ الْبَلَدِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَيْلَقِ مِثْلِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي قَالَ لِغَزَّالٍ لَا مَعْرِفَةَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيَانُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَوْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا مُسْتَأْنَفًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَيَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute