للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاعَهُ الْبَائِعُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ، وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ، وَلَوْ أَمَرَ الْبَائِعُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْقَاتِلَ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ أَمَرَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِذَبْحِ شَاةٍ فَذَبَحَهَا إنْ كَانَ الذَّابِحُ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ فَلِلْمُشْتَرِي تَضْمِينُهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ اهـ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى مَكِيلًا كَيْلًا حَرُمَ بَيْعُهُ، وَأَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) أَيْ حَتَّى يُعِيدَ كَيْلَهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَيْلًا أَيْ بِشَرْطِ الْكَيْلِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً لَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ، وَالْأَكْلُ قَبْلَ الْكَيْلِ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَنَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى فَسَادِهِ لِأَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الْمَبِيعِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ فَأَلْحَقُوا بِهِ مَنْعَ الْأَكْلِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُبْنَى عَلَى الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَلْحَقُوا بِالْمَكِيلِ الْمَوْزُونَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إذَا اُشْتُرِيَ بِالْعَدَدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ قَبْلَ الْعَدِّ. اهـ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ أَكْلِهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ كَوْنُ الطَّعَامِ حَرَامًا فَقَدْ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكهَا فَأَكَلَهَا.

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إذَا أَكَلَهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَكَلَ حَرَامًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ لَيْسَ يُقَالُ هَذَا كَأَكْلِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَوُجُوبِ فَسْخِهِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْفَسْخَ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْبَائِعِ إلَّا بِالزِّيَادَةِ الْمَوْهُومَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَبِيعِ فَاسِدًا أَكَلَ حَرَامًا، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْأَكْلِ قَالَ وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ لَوْ أَكَلَ مِنْ الْكَرْمِ الَّذِي دَفَعَ مُعَامَلَةً، وَهُوَ قَدْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا لَا يَحْنَثُ أَمَّا عِنْدَهُمَا لَا يُشْكِلُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُ فَقَدْ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ اهـ.

فَالْحَقُّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ كَيْلَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ دُونَ كَيْلِ الْبَائِعِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ اشْتَرَطَ الصَّاعَيْنِ لِأَنَّ صَاعَ الْبَائِعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِكُلِّ بَيْعٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ الْمُزَارَعَةِ أَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ مُجَازَفَةً أَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ ثُمَّ بَاعَهَا فَالْحَاجَةُ إلَى كَيْلِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً عَارِيَّةٌ حُكْمًا لِأَنَّ مَا يَرُدُّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ قَبْضُ بَدَلِهِ فِي مَالِ الصَّرْفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ حُكْمًا.

وَلَوْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً ثُمَّ بَاعَ مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَاطِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ بَائِعِهِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى كَيْلِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَيْلَ الْبَائِعِ لَا يَكْفِي عَنْ كَيْلِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَالَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ إلَخْ) هَذَا الْأَصْلُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَكَذَا فِي الْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ عُرُوضًا، وَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُشْتَرِي فَفَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَجِبُ فَسْخُهُ اهـ.

قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَى دَارًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِفَسَادِ بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ فَسَادَ الْبَيْعِ) أَيْ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِمَا قَالَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ أَوْ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ فَلَوْ بَاعَهُ بِلَا إعَادَةِ الْكَيْلِ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ.

وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ انْعَقَدَ صَحِيحًا، وَلَكِنْ حِلُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ مَوْقُوفٌ عَلَى الْكَيْلِ، وَكَذَا صِحَّةُ الْبَيْعِ الثَّانِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْكَيْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفَرْعُ الْآتِي آخِرًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ صِحَّةَ الْقَبْضِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْكَيْلِ، وَلَوْ قَبَضَهُ بِيَدِهِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فَإِذَا بَاعَهُ قَبْلَ كَيْلِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلِذَا أَعْقَبَهَا بِهَا قَبْلَ ذِكْرِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا بَحْثًا فِيمَا لَا نَقْلَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ لَنَا فَإِنَّهُ لِقَوْلِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَتْنًا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِظْهَارٌ لِوَجْهِ الْحَلْقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>