لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» ، وَالطَّعْمُ، وَالثَّمَنِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِهَا الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا دُونَ التَّضْيِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا ذَكَرَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَحَرُمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ بِهِمَا) أَيْ بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ بِتَمَامِهَا، وَالْفَضْلُ الزِّيَادَةُ، وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمِصْبَاح، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّسِيءَ فَقَالَ وَالنَّسِيءُ مَهْمُوزٌ عَلَى فَعِيلٍ، وَيَجُوزُ الْإِدْغَامُ لِأَنَّهُ زَائِدٌ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ، وَالنَّسِيئَةُ عَلَى فَعَيْلَةٍ مِثْلُهُ، وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ نَسَأَ اللَّهُ أَجَلَهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ، وَأَنْسَاهُ اللَّهُ بِأَلْفٍ إذَا أَخَّرَهُ. اهـ.
وَفِي الْبِنَايَةِ النَّسَاءُ بِفَتْحِ النُّونِ، وَالْمَدِّ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْمَدِّ لَا غَيْرُ قَوْلُهُ (وَالنَّسَاءُ فَقَطْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ وَحَرُمَ التَّأْخِيرُ لَا الْفَضْلُ بِوُجُودِ الْقَدْرِ فَقَطْ، وَالْجِنْسِ فَقَطْ، وَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا بَاعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مُتَفَاضِلًا صَحَّ لَا نَسِيئَةً، الثَّانِيَةُ بَاعَ ثَوْبًا مَرْوِيًّا بِمَرْوِيَّيْنِ جَازَ حَاضِرًا، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالتَّأْخِيرِ إلَّا شُبْهَةُ الْفَضْلِ، وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ جَائِزٌ فَالشُّبْهَةُ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ إلَى الْجِنْسِ، وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَهِيَ مَانِعَةٌ عَنْ الْجَوَازِ كَالْحَقِيقَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ مَوْلَانَا الْأَكْمَلُ فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا قِيلَ إنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَالِ الرِّبَا مِنْ وَجْهِ شُبْهَةٍ، وَكَوْنُ الشُّبْهَةِ أَوْجَبَتْ فَضْلًا شُبْهَةً فَصَارَتْ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا، وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَهَا شُبْهَةَ الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ فِي مَحِلِّ الْحَقِيقَةِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ كَذَلِكَ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الشُّبْهَةَ الْأُولَى فِي الْمَحِلِّ، وَالثَّانِيَةَ فِي الْحُكْمِ، وَثَمَّةَ شُبْهَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الَّتِي فِي الْعِلَّةِ، وَلِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ وَالْمَحِلِّ تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْحُكْمِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِسْمَةَ غَيْرُ حَاصِرَةٍ بَلْ الشُّبْهَةُ مَانِعَةٌ فِي مَحِلِّ الشُّبْهَةِ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ بِكَمَالِهَا. اهـ.
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِمَذْهَبِنَا «بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبِنَايَةِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ بَعْضُ الْعِلَّةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ عِلَّةٍ لِحُرْمَةِ الْفَضْلِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَوْزِيعِ أَجْزَاءِ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالنَّسَاءُ فَقَطْ بِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ جَوَازَ إسْلَامِ النُّقُودِ فِي الزَّعْفَرَانِ أَوْ الْقُطْنِ لِوُجُودِ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْوَزْنُ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ فَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى فَيَجُوزُ لِأَنَّ النُّقُودَ تُوزَنُ بِالصَّنَجَاتِ، وَالزَّعْفَرَانَ بِالْأَمْنَاءِ فَنَقُولُ الدَّرَاهِمُ مَعَ الزَّعْفَرَانِ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْوَزْنِ صُورَةً فَقَدْ اخْتَلَفَا فِيمَا يُوزَنُ بِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَحُكْمًا فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ أَمَّا الِاخْتِلَافُ الصُّورِيُّ فَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْنَى فَلِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالزَّعْفَرَانُ، وَنَحْوُهُ يَتَعَيَّنُ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي النُّقُودِ قَبْلَ قَبْضِهَا بِخِلَافِ الْمُثَمَّنِ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَنَزَلَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الْمَوْزُونَيْنِ إذَا اتَّفَقَا كَانَ الْمَنْعُ لِلشُّبْهَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الْوَزْنِ، وَالْوَزْنُ وَحْدَهُ شُبْهَةٌ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالصَّنَجَاتُ بِتَحْرِيكِ النُّونِ جَمْعُ صَنْجَةٍ، وَعَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ لَا يُقَالُ بِالسِّينِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بِالصَّادِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الصَّنَجَاتُ بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ صَنْجَةٍ بِالتَّسْكِينِ، وَعَنْ الْفَرَّاءِ بِالسِّينِ أَفْصَحُ، وَأَنْكَرَ الْقُتَبِيُّ السِّينَ أَصْلًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْوَجْهُ أَنْ يُضَافَ تَحْرِيمُ الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ إلَى السَّمْعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ تَأْثِيرُ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ يُسْتَثْنَى إسْلَامُ النُّقُودِ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ أَكْثَرُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ هُنَا عَدَمُ قَبُولِ الْعَبْدِ التَّأْجِيلَ لَا وُجُودُ الْجِنْسِيَّةِ فَلَوْ مَثَّلَ بِبَيْعِ هَرَوِيٌّ بِمِثْلِهِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ.
وَهُوَ مُنَاقَشَةٌ فِي الْمِثَالِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّوْضِيحُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْجِنْسِيَّةِ فِيهِ عِلَّةً أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَال لَهُ بِالْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ جَائِزٌ) كَمَا لَوْ بَاعَ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيَّيْنِ حَاضِرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute