للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو يُوسُفَ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِثْبَاتُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ بِهَذَا لَا يَجُوزُ لِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ صَرِيحًا، وَأَقَلُّ مَا هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هَذِهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَنَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ عِتْقَهُ. اهـ.

وَأَمَّا بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ لِبُطْلَانِ عَقْدِهِ بِالْإِجَازَةِ فَإِنَّ بِهَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاتًّا، وَالْمِلْكُ الْبَاتُّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَبْطَلَهُ.

وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْبَاتِّ وَالْمَوْقُوفِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهٍ يَطْرَأُ فِيهِ الْبَاتُّ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ مِلْكٌ بَاتٌّ، وَعَرَضَ مَعَهُ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّ فِي التَّفْوِيضِ مِنْ الْفُضُولِيِّ لِلْمَرْأَةِ إذَا جُعِلَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّفْوِيضُ الْآنَ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا الْآنَ طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِحُكْمٍ إذَا وُجِدَ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَسْتَعْقِبْ حُكْمُهُ، وَيَتَوَقَّفُ إنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ جُعِلَ مُعَلَّقًا، وَإِلَّا احْتَجْنَا أَنَّ نَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلْحَالِ مُتَأَخِّرًا حُكْمُهُ إنْ أَمْكَنَ فَالْبَيْعُ لَيْسَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ فَيُجْعَلُ سَبَبًا فِي الْحَالِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِجَازَةِ ظَهَرَ أَثَرُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَلِذَا مَلَكَ الزَّوَائِدَ، وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَاحْتَمَلَ التَّعْلِيقَ فَجَعَلْنَا الْمَوْجُودَ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُتَعَلِّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ لِلْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَتَعَلَّقُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَالِ التَّوَقُّفِ سَبَبًا لِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ بَلْ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الْمُسْتَعْقِبِ لَهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ إذَا طَرَأَ مِلْكٌ بَاتٌّ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِطُرُوِّ الْمِلْكِ الْبَاتِّ بِإِجَازَةِ بَيْعِ الْغَاصِبِ.

وَقَدْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لِتَجَرُّدِهِ عُرْضَةً لِلِانْفِسَاخِ، وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لَا بَيْعَ الْغَاصِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ إذَا بَاعَهُ لِمَالِكِهِ، وَهُنَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ لَا يَتَوَقَّفُ مِلْكُهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّوَقُّفِ النَّفَاذُ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ النَّفَاذُ لَا يَتَوَقَّفُ كَبَيْعِ الْحُرِّ، وَأُورِدَ عَلَى الْأَصْلِ مَا إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ طَرَأَ مِلْكٌ بَاتٌّ، وَهُوَ مِلْكُ الْغَاصِبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِيهِ مِلْكٌ بَاتٌّ) أَيْ إنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِهَذَا الْقَيْدِ يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْوَاحِدِ مِلْكٌ بَاتٌّ لِمَالِكِهِ، وَمِلْكٌ مَوْقُوفٌ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ) إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيرَادِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ فِيهِ تَأَمُّلٌ فَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَاصِبٍ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَأَجَازَ مَالِكُهُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً لِتَوَقُّفِ كُلِّهَا عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِذَا أَجَازَ عَقْدًا مِنْهَا جَازَ ذَلِكَ خَاصَّةً، وَقَالَ قَبْلَهُ رَامِزًا، وَلَوْ فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَجَازَ مَالِكُهُ بَيْعَ غَاصِبِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وِفَاقًا، وَأَمَّا عِتْقُهُ فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا نَفَذَ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رَامِزًا لَوْ ضَمَّنَ مَالِكُهُ غَاصِبَهُ نَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي إذْ مِلْكُ الْأَوَّلِ بَاتٌّ، وَمِلْكُ الثَّانِي مَوْقُوفٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْفُذُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ مِلْكَهُ مِنْ وَقْتِ غَصْبِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ وَثُمَّ فَجَازَ الْكُلُّ. اهـ.

فَتَحَرَّرَ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مَوْقُوفٌ، وَإِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ جَازَ خَاصَّةً فَقَوْله ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّقْلَ الصَّرِيحَ، وَقَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ يُخَالِفُ مَا عَلَّلَهُ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمِعْرَاجِ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ غَايَتُهُ أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) نَقْضٌ لِقَوْلِهِ لِتَجَرُّدِهِ عُرْضَةً لِلِانْفِسَاخِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ (قَوْلِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ كَتَبْنَا فِي الْحَاشِيَةِ قَرِيبًا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ اهـ.

أَيْ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِتَعْلِيلِ النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، وَمِنْ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ عَلَى الْأَصْلِ مَا إذَا بَاعَ إلَخْ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٌ تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ إذْ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ إذَا طَرَأَ عَلَى مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا طَرَأَ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْقَاعِدِيِّ، وَنَصَّهُ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ عَقْدًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَالْغَاصِبِ بَاعَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ أَبِيهِ ثُمَّ وَرِثَهُ نَفَذَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَا وَطُرُوُّ الْبَاتِّ إنَّمَا يُبْطِلُ الْمَوْقُوفَ إذَا حَدَثَ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ كَمَا إذَا بَاعَ الْمَالِكُ مَا بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ مِنْ غَيْرِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْفُضُولِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>